قوله : (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ) يجوز في «أيّهم» وجهان :
أحدهما : أن تكون استفهامية مرفوعة بالابتداء ، و«أحسن» خبرها ، والجملة في محلّ نصب متعلقة ب «نبلوهم» لأنه سبب العلم ، والسؤال ، والنظر.
والثاني : أنّها موصولة بمعنى الذي و«أحسن» خبر مبتدأ مضمر ، والجملة صلة ل «أيّهم» ويكون هذا الموصول في محلّ نصب بدلا من مفعول «لنبلوهم» تقديره لنبلو الذي هو أحسن ؛ وحينئذ تحتمل الضمة في «أيّهم» أن تكون للبناء ، كهي في قوله تعالى : (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) [مريم : ٦٩] على أحد الأقوال ، وفي قوله : [المتقارب]
٣٤٨٤ ـ إذا ما أتيت بني مالك |
|
فسلّم على أيّهم أفضل (١) |
وشرط البناء موجود ، وهو الإضافة لفظا ، وحذف صدر الصلة ، وهذا مذهب سيبويه (٢) ، وأن تكون للإعراب ؛ لأنّ البناء جائز لا واجب ، ومن الإعراب ما قرىء به شاذّا (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ) [مريم : ٦٩] وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في مريم.
والضمير في «لنبلوهم» و«أيّهم» عائد على ما يفهم من السّياق ، وهم سكان الأرض. وقيل : يعود على ما على الأرض ، إذا أريد بها العقلاء ، وفي التفسير : المراد بذلك الرّعاة (٣). وقيل : العلماء والصلحاء والخلفاء (٤).
فصل في المقصود بالزينة
اختلفوا في تفسير هذه الزينة ، فقيل (٥) : النّبات ، والشجر ، والأنهار.
كما قال تعالى : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) [يونس : ٢٤] وضمّ بعضهم إليه الذّهب ، والفضّة ، والمعادن ، وضمّ بعضهم إلى ذلك جميع الحيوان ، فإن قيل : أي زينة في الحيّات والعقارب [والشياطين](٦).
فالجواب : فيها زينة ؛ بمعنى أنّها تدلّ على وحدانيّة الله تعالى.
وقال مجاهد (٧) : أراد الرجال خاصّة هم زينة الأرض.
وقيل : أراد به العلماء والصلحاء.
وقيل : أراد به الناس.
__________________
(١) البيت لغسان بن وعلة. ينظر : شرح المفصل لابن يعيش ٣ / ١٤٧ ، المغني ١ / ٧٨ ، أوضح المسالك ١ / ٧٥ ، الإنصاف ٢ / ٣٨٢ ، التصريح ١ / ١٣٥ ، الهمع ١ / ٨٤ ، شواهد المغني ٨١ ، الأشموني / ١٦٦ ، الخزانة ٦ / ٦١ ، الدرر ١ / ٦٠ ، حاشية يس ١ / ١٣٥ ، الدر المصون ٤ / ٤٣٥.
(٢) ينظر : الكتاب ١ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨.
(٣) في ب : الرجال.
(٤) سقط من أ.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٦٨.
(٦) في أ: وأشياء.
(٧) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٤٤.