وبالجملة ، فليس في الأرض إلّا المواليد الثلاثة ، وهي المعادن ، والنبات ، والحيوان ، وأشرف أنواع الحيوان الإنسان.
قال القاضي (١) : الأولى ألّا يدخل المكلّف في هذه الزّينة ؛ لأنّ الله تعالى قال : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ) فمن يبلوهم يجب ألّا يدخل في ذلك.
وأجيب بأن قوله : (زِينَةً لَها) أي للأرض ، ولا يمتنع أن يكون ما تحسن به الأرض زينة لها ، كما جعل الله السّماء مزينة بالكواكب.
وقوله : (لِنَبْلُوَهُمْ) لنختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، أي : أصلح عملا.
وقيل : أيّهم أترك للدّنيا.
فصل
ذهب هشام بن الحكم إلى أنّه تعالى لا يعلم الحوادث إلّا عند دخولها في الوجود ، فعلى هذا : الابتلاء والامتحان على الله جائز ؛ واحتجّ بأنه تعالى لو كان عالما بالجزئيّات قبل وقوعها ، لكان كلّ ما علم وقوعه واجب الوقوع ، وكل ما علم عدمه ممتنع الوقوع ، وإلّا لزم انقلاب علمه جهلا ، وذلك محال ، والمفضي إلى المحال محال ، ولو كان ذلك واجبا ، فالذي علم وقوعه يجب كونه فاعلا له ، ولا قدرة له على التّرك ، والذي علم عدمه يكون ممتنع الوقوع ، ولا قدرة له على الفعل ، وعلى هذا يلزم ألّا يكون الله قادرا على شيء أصلا ، بل يكون موجبا بالذّات.
وأيضا ، فيلزم ألا يكون للعبد قدرة على الفعل ، ولا على الترك ؛ لأنّ ما علم الله وقوعه ، امتنع من العبد تركه ، وما علم عدمه ، امتنع منه فعله ، فالقول بكونه تعالى عالما بالأشياء قبل وقوعها ، يقدح في الربوبيّة ، وفي العبوديّة ، وذلك باطل ؛ فثبت أنّه تعالى إنما يعلم الأشياء عند وقوعها ، أي عند ذلك ، وعلى هذا التقدير ، فالابتلاء والامتحان والاختبار غير جائز عليه ، وعند هذا قال : يجرى قوله : (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) على ظاهره.
وأمّا جمهور علماء الإسلام ، فقد استبعدوا هذا القول ، وقالوا : إنه تعالى من الأزل إلى الأبد عالم بجميع الجزئيّات ، والابتلاء والامتحان عليه محال ، وأيتما وردت هذه الألفاظ فالمراد أنّه تعالى يعاملهم معاملة ، لو صدرت عن غيره ، لكانت على سبيل الابتلاء والامتحان.
فصل في تعليل أفعال الله تعالى
قالت المعتزلة : دلّت هذه الآية ظاهرا على أنّ أفعال الله تعالى معلّلة بالأغراض.
وقال أهل السنة : هذا محال ؛ لأنّ التعليل بالغرض إنّما يصحّ في حقّ من لا يصحّ منه
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٦٨.