وقرأ (١) الزهريّ «ليعلم» بياء الغيبة ، والفاعل الله تعالى ، وفيه التفات من التكلم إلى الغيبة ، ويجوز أن يكون الفاعل (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) إذا جعلناها موصولة ، كما سيأتي.
وقرىء (٢) «ليعلم» مبنيّا للمفعول ، والقائم مقام الفاعل ، قال الزمخشريّ : «مضمون الجملة ، كما أنه مفعول العلم». وردّه أبو حيان بأنه ليس مذهب البصريين ، وتقدم تحقيق هذا أول البقرة.
وللكوفيين في قيام الجملة مقام الفاعل أو المفعول الذي لم يسمّ فاعله : الجواز مطلقا ، والتفصيل بين ما تعلق به ؛ كهذه الآية فيجوز ، فالزمخشريّ نحا نحوهم على قوليهم ، وإذا جعلنا (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) موصولة ، جاز أن يكون الفعل مسندا إليه في هذه القراءة أيضا ؛ كما جاز إسناده إليه في القراءة قبلها.
وقرىء (٣) «ليعلم» بضم الياء ، والفاعل الله تعالى ، والمفعول الأول محذوف ، تقديره : ليعلم الله الناس ، و (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) في موضع الثاني فقط ، إن كانت عرفانية ، وفي موضع المفعولين إن كانت يقينيّة.
وفي هذه القراءة فائدتان :
إحداهما : أنّ على هذا التقدير : لا يلزم إثبات العلم المتجدّد لله ، بل المقصود أنّا بعثناهم ؛ ليحصل هذا العلم لبعض الخلق.
والثانية : أنّ على هذا التقدير : يجب ظهور النّصب في قوله «أيّ» لكن لقائل أن يقول الإشكال باق ؛ لأنّ ارتفاع لفظة «أيّ» بالابتداء لا بإسناده «ليعلم» إليه.
ولمجيب بأن يجيب ؛ فيقول : لا يمتنع اجتماع عاملين على معمول واحد ؛ لأنّ العوامل النحوية علامات ومعرفات ، ولا يمتنع اجتماع معرفات كثيرة على شيء واحد.
قوله : «أحصى» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه أفعل تفضيل ، وهو خبر ل «أيّهم» و«أيّهم» استفهامية ، وهذه الجملة معلقة للعلم قبلها ، و (لِما لَبِثُوا) حال من «أمدا» ، لأنه لو تأخّر عنه ، لكان نعتا له ، ويجوز أن تكون اللام على بابها من العلّة ، أي : لأجل ، قاله أبو البقاء (٤) ، ويجوز أن تكون زائدة ، و«ما» مفعولة : إمّا ب «أحصى» على رأي من يعمل أفعل التفضيل في المفعول به ، وإما بإضمار فعل ، و«أمدا» مفعول «لبثوا» أو منصوب بفعل مقدر يدلّ عليه أفعل عند الجمهور ، أو منصوب بنفس أفعل عند من يرى ذلك.
__________________
(١) ينظر : البحر ٦ / ١٠٠ ، والدر المصون ٤ / ٤٣٧.
(٢) ينظر : الشواذ ٧٨ ، والبحر ٦ / ١٠٠ ، والدر المصون ٤ / ٤٣٧. وقال في الشواذ : حكاه الأخفش.
(٣) ينظر : البحر ٦ / ١٠٠ ، والدر المصون ٤ / ٤٣٧.
(٤) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٩.