ويشركون به غيره ، ومنقطعا ؛ فقد روي أنهم كانوا يعبدون الأصنام فقط ، والمستثنى منه يجوز أن يكون الموصول ، وأن يكون عائده ، والمعنى واحد.
والثاني : أن تكون مصدرية ، أي : واعتزلتم عبادتهم ، أي : تركتموها ، و (إِلَّا اللهَ) على حذف مضاف ، أي : إلّا عبادة الله ، وفي الاستثناء الوجهان المتقدمان.
الثالث : أنها نافية ، وأنه من كلام الله تعالى ، وعلى هذا ، فهذه الجملة معترضة بين أثناء القصّة ، وإليه ذهب الزمخشريّ ، و (إِلَّا اللهَ) استثناء مفرّغ ، أخبر الله عن الفتية أنهم لا يعبدون غيره ، وقال أبو البقاء (١) : «والثالث : أنها حرف نفي ، فيخرج في الاستثناء وجهان :
أحدهما : هو منقطع ، والثاني : هو متصل ، والمعنى : وإذ اعتزلتموهم إلا الله وما يعبدون إلا الله».
فظاهر هذا الكلام : أن الانقطاع والاتصال في الاستثناء مترتّبان على القول بكون «ما» نافية ، وليس الأمر كذلك.
فصل في كلام أهل الكهف
قال المفسّرون : إنّ أهل الكهف قال بعضهم لبعض : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) يعني قومكم (وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) ، أي : اعتزلتموهم ، وجميع ما يعبدون إلا الله ، فإنّكم لم تعتزلوا عبادته ، فإنّهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأوثان.
وقرأ أبو مسعود (٢) : «وما يعبدون (٣) من دون الله ، فأووا إلى الكهف».
قال الفراء : هو جواب «إذ» كما تقول : إذ فعلت كذا فافعل كذا ، والمعنى اذهبوا إليه ، واجعلوه مأواكم.
(يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) أي يبسطها عليكم ، (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ) يسهّل لكم (مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) ما يعود إليه رفقكم.
قوله : «مرفقا» قرأ الجمهور بكسر الميم ، وفتح الفاء.
وقرأ نافع (٤) وابن عامر وعاصم في رواية البرجمي وأبو جعفر بالعكس ، وفيها خلاف عند أهل اللغة ؛ فقيل : هما بمعنى واحد ، وهو ما يرتفق به ، وليس بمصدر ، وقيل : هو بكسر الميم لليد ، وبفتحها للأمر ، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ، حكاه الأزهريّ عن ثعلب ، وأنشد الفراء جمعا بين اللغتين في الجارحة : [الرجز]
٣٤٩٢ ـ بتّ أجافي مرفقا عن مرفق (٥)
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٩.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٦ / ١٠٣.
(٣) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٥٣.
(٤) ينظر : السبعة ٣٨٨ ، والحجة ٤١٢ ، والنشر ٢ / ٣١٠ ، والإتحاف ٢ / ٢١٠ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٣٠ ، والبحر ٦ / ١٠٣ ، والدر المصون ٤ / ٤٤٠.
(٥) ينظر البيت في تفسير الطبري ١٥ / ١٣٩ ، الدر المصون ٤ / ٤٤٠.