قال الواحديّ (١) : وإنما يحسبون أيقاظا ؛ لأنّ أعينهم مفتحة ، وهم نيام.
وقال الزجاج : لكثرة تقلبهم يظنّ أنهم أيقاظ ؛ لقوله تعالى : (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) والرقود جمع راقد ، كقاعد وقعود.
فصل في مدة تقليبهم
اختلفوا في مقدار مدّة التّقليب (٢) :
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : «أنّ لهم في كلّ عام تقليبتين» (٣) وعن مجاهد : يمكثون رقودا على أيمانهم تسع سنين ، ثم ينقلبون على شمائلهم ، فيمكثون رقودا تسع سنين (٤).
وقيل : لهم تقليبة واحدة في يوم عاشوراء.
قال ابن الخطيب (٥) : وهذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها ، والقرآن لا يدل عليها ، وما جاء فيه خبر صحيح ، فكيف يعرف؟ وقال ابن عباس : فائدة تقليبهم ؛ لئلا تأكل الأرض لحومهم وتبليهم (٦).
قال ابن الخطيب (٧) : عجبت من ذلك ؛ لأنّ الله تعالى قدر على أن يمسك حياتهم ثلاثمائة سنة وأكثر ، فلم لا يقدر على حفظ أجسامهم من غير تقليب؟!.
قوله : (وَنُقَلِّبُهُمْ) قرأ العامة «نقلّبهم» مضارعا مسندا للمعظّم نفسه.
وقرىء (٨) أيضا بالياء من تحت ، أي : الله أو الملك ، وقرأ الحسن : «يقلبهم» بالياء من تحت ساكن القاف ، مخفف اللام ، وفاعله ، إمّا الله أو الملك.
وقرأ أيضا «وتقلّبهم» بفتح التاء ، وضمّ اللام مشددة مصدر تقلّب كقوله : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء : ٢١٩] ونصب الباء ، وخرّجه أبو الفتح على إضمار فعل ، أي : ونرى تقلّبهم ، أو نشاهد تقلّبهم ، وروي عنه أيضا رفع الباء على الابتداء ، والخبر الظرف بعده ،
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٨٦.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٨٦.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٥٤) عن أبي هريرة ومثله عن ابن عباس ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٩١) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٩١) وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وينظر : تفسير الرازي (٢١ / ٨٦).
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٨٦.
(٦) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٣٥٤) والرازي (٢١ / ٨٦) والقرطبي (١٠ / ٢٤١).
(٧) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٨٦.
(٨) ينظر في قراءاتها : المحتسب ٢ / ٢٦ ، والإتحاف ٢ / ٢١١ ، والشواذ ٧٨ ، والكشاف ٢ / ٧٠٩ ، والبحر ٦ / ١٠٥ ، والدر المصون ٤ / ٤٤٢.