وقرأ ابن عامر والكسائي «رعبا» بضمّ العين في جميع القرآن ، والباقون بالإسكان.
فصل في سبب الرعب
اختلفوا في ذلك الرّعب (١) كان لماذا؟ فقيل : من وحشة المكان ، وقال الكلبي : لأنّ أعينهم مفتّحة ، كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلّم ، وهم نيام (٢).
وقيل : لكثرة شعورهم ، وطول أظفارهم ، وتقلّبهم من غير حسّ ، كالمستيقظ.
وقيل : إنّ الله تعالى ، منعهم بالرّعب ؛ لئلّا يراهم أحد.
وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس ، قال : غزونا مع معاوية نحو الرّوم ، فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء ، لنظرنا إليهم ، فقال ابن عبّاس : قد منع الله ذلك من هو خير منك : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) ، فبعث معاوية ناسا ، فقال : اذهبوا ، فانظروا ، فلمّا دخلوا الكهف ، بعث الله عليهم ريحا ، أخرجتهم (٣).
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً)(٢٠)
قوله : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) : الكاف نعت لمصدر محذوف ، أي : كما أنمناهم تلك النّومة ، كذلك بعثناهم ؛ ادّكارا بقدرته ، والإشارة ب «ذلك» إلى المصدر المفهوم من قوله «فضربنا» ، أي : مثل جعلنا إنامتهم هذه المدة المتطاولة آية ، جعلنا بعثهم آية ، قاله الزجاج والزمخشريّ.
قوله : (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) متعلقة بالبعث ، وقيل : هي للصّيرورة ؛ لأن البعث لم يكن للتساؤل ، قاله ابن عطيّة ، والصحيح أنّها على بابها من السببية.
قوله : (كَمْ لَبِثْتُمْ) «كم» منصوبة على الظرف ، والمميز محذوف ، تقديره : كم يوما ؛ لدلالة الجواب عليه ، و«أو» في قوله : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) للشكّ منه ، وقيل : للتفصيل ، أي : قال بعضهم كذا ، وبعضهم كذا.
__________________
(١) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٥٥.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٥٥).
(٣) ذكره الماوردي من «تفسيره» (٣ / ٢٩٣).