فصل
المعنى كما أنمناهم في الكهف ، وحفظنا أجسامهم من البلى ، طول الزمان ، فكذلك بعثناهم من النّوم الذي يشبه الموت ؛ (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) ليسأل بعضهم بعضا ، واللام لام العاقبة ؛ لأنّهم لم يبعثوا للسّؤال.
فإن قيل : هل يجوز أن يكون الغرض من بعثهم أن يتساءلوا ويتنازعوا؟.
فالجواب : لا يبعد ذلك ؛ لأنّهم إذا تساءلوا ، انكشف لهم من قدرة الله أمور عجيبة ، وذلك أمر مطلوب.
قاله ابن الخطيب (١).
ثم قال تعالى : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) وهو رئيسهم ، واسمه مكسلمينا : (كَمْ لَبِثْتُمْ) في نومكم ، أي : كم مقدار لبثنا في هذا الكهف (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
قال المفسرون (٢) : إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم الله في آخر النّهار ؛ فلذلك قالوا : يوما ، فلما رأوا الشمس ، قالوا : أو بعض يوم ، فلما نظروا إلى شعورهم وأظفارهم «قالوا» أي : علموا أنّهم لبثوا أكثر من يوم : (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ).
قيل : إنّ رئيسهم مكسلمينا ، لما [رأى](٣) الاختلاف بينهم قال : دعوا الخلاف.
قوله : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ) يعني يمليخا ، قاله ابن عباس (٤).
قوله : «بورقكم» حال من «أحدكم» ، أي : مصاحبا لها ، وملتبسا بها ، وقرأ (٥) أبو عمرو ، وحمزة ، وأبو بكر بفتح الواو وسكون الراء والفكّ ، وباقي السبعة بكسر الراء ، والكسر هو الأصل ، والتسكين [تخفيف] ك «نبق» في نبق ، وحكى الزجاج (٦) كسر الواو ، وسكون الراء ، وهو نقل ، وهذا كما يقال : كبد وكبد وكبد.
وقرأ أبو رجاء ، وابن محيصن (٧) كذلك ، إلّا أنه بإدغام القاف ، واستضعفوها من حيث الجمع بين ساكنين على غير حدّيهما ، وقد تقدّم ذلك في المتواتر ما يشبه هذه من نحو (تُسْئَلُونَ عَمَّا) [في الآية : ٢٧١ من البقرة] و (لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) [النساء : ١٥٤] و (الْخُلْدِ جَزاءً) و (فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) وروي عن ابن محيصن ؛ أنّه لمّا أدغم كسر الراء فرارا ممّا ذكرنا.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٨٧.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) في أ: سمع.
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٥٥).
(٥) ينظر في قراءاتها السبعة ٣٨٩ ، والتيسير ١٤٣ ، والنشر ٢ / ٣١٠ ، والحجة ٤١٣ ، والإتحاف ٢ / ٢١٢ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٣٥ ، ١٣٦ ، والبحر ٦ / ١٠٧ ، والدر المصون ٤ / ٤٤٣.
(٦) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٣ / ٢٧٥.
(٧) ينظر : البحر ٦ / ١٠٧ ، والدر المصون ٤ / ٤٤٤.