فصل
في هذه الآية محذوف ، وتقديره : سيقولون : هم ثلاثة ، فحذف المبتدأ ؛ لدلالة الكلام عليه ، ثم قال تعالى : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) أي : بعددهم (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) ، وهذا هو الحقّ ؛ لأن العلم بتفاصيل كائنات العالم ، وحوادثه في الماضي والمستقبل ، لا يحصل إلّا عند الله ، أو عند من أخبره الله تعالى ، ثم لمّا ذكر تعالى هذه القصّة ، نهى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم عن المراء والاستفتاء ، فقال : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) ، أي لا تجادل ، ولا تقل في عددهم وشأنهم إلّا مراء ظاهرا إلّا بظاهر ما قصصنا عليك ، فقف عنده ، (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) أي من أهل الكتاب ، أي : لا ترجع إلى قولهم بعد أن أخبرناك ؛ لأنّه ليس عندهم علم في هذا الباب إلّا رجما بالغيب.
فصل
واعلم أنّ نفاة القياس تمسّكوا بهذه الآية ، قالوا : لأن قوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) قيل : كان ظنّا بالغيب ؛ لأنّهم أكثروا أن يقولوا رجما بالظنّ ، مكان قولهم : «ظنّ» حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين ، كما قال : [الطويل]
٣٥٠٦ ـ ........... |
|
وما هو عنها بالحديث المرجّم (١) |
أي : المظنون ، ثم إنه تعالى ، لمّا ذم هذه الطريقة ، رتّب عليها المنع من استفتاء هؤلاء الظانّين ، فدلّ على أن الفتوى بالمظنون غير جائز عند الله تعالى ، وتقدّم جوابهم.
قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً)(٢٤)
وذلك أن أهل مكّة سألوه عن الروح ، وعن أصحاب الكهف ، وعن ذي القرنين ، فقال : أخبركم غدا ، ولم يقل : إن شاء الله ، فلبث الوحي أيّاما ، ثم نزلت هذه الآية.
فصل
اعترض القاضي على هذا الكلام من وجهين (٢) :
الأول : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان عالما بأنّه إذا أخبر أنه سيفعل الفعل الفلانيّ غدا ، فربّما جاءته الوفاة قبل الغد ، وربما عاقه عائق عن ذلك الفعل غدا ، وإذا كانت هذه الأمور محتملة ، فلو لم يقل : إن شاء الله ، خرج الكلام مخالفا لما عليه ، وذلك يوجب التنفير عنه.
أما إذا قال : «إن شاء الله تعالى» كان محترزا عن هذا المحذور (٣) المذكور ، وإذا
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٩٢.
(٣) في أ: المحظور.