كالمغاير ، فكيف يكون تبديلا؟ ثم قال : «ولن تجد من دونه ملتحدا» أي : ملجأ ، قال أهل اللغة : هو من لحد وألحد : إذا مال ، ومنه قوله (الَّذِينَ يُلْحِدُونَ) والملحد : المائل عن الدّين.
قال ابن عباس : حرزا.
وقال الحسن : مدخلا.
وقال مجاهد : ملجأ.
وقيل : ولن تجد من دونه ملتحدا في البيان والإرشاد.
قوله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) أي : احبسها وثبتها قال أبو ذؤيب : [الكامل]
٣٥٠٧ ب ـ فصبرت نفسا عند ذلك حرّة |
|
ترسو إذا نفس الجبان تطلّع (١) |
وقوله : «بالغداة» تقدّم الكلام عليها في الأنعام (٢).
فصل في نزول الآية
نزلت في عيينة بن حصن الفزاريّ ، أتى النّبي صلىاللهعليهوسلم قبل أن يسلم ، وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان ، وعليه شملة قد عرق فيها ، وبيده خوصة يشقها ، ثم ينسجها ؛ فقال عيينة للنبيصلىاللهعليهوسلم : أما يؤذيك ريح هؤلاء؟ ونحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا ، أسلم الناس ، وما يمنعنا من اتّباعك إلّا هؤلاء ، حتى نتبعك ، واجعل لنا مجلسا ، ولهم مجلسا ، فأنزل الله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) ، أي : احبس يا محمد نفسك (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) طرفي النّهار ، (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي : يريدون الله ، لا يريدون به عرضا من الدنيا.
وقال قتادة : نزلت في أصحاب الصّفة ، وكانوا سبعمائة رجل فقراء في مسجد رسول اللهصلىاللهعليهوسلم لا يرجعون إلى تجارة ، ولا إلى زرع ، يصلّون صلاة ، وينتظرون أخرى ، فلما نزلت هذه الآية ، قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «الحمد لله الّذي جعل في أمّتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم». وهذه القصة منقطعة عما قبلها ، وكلام مفيد مستقلّ ، وتقدم نظير هذه الآية في سورة الأنعام ، وهو قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) [الأنعام : ٥٢] ففي تلك الآية نهى الرسول ـ عليهالسلام ـ عن طردهم ، وفي هذه الآية أمره بمجالستهم والمصابرة معهم.
فصل في قراءات الآية
قرأ ابن عامر بالغداة والعشيّ ، بضمّ الغين ، والباقون بالغداة ، وهما لغتان ، فقيل :
__________________
(١) البيت هكذا في أ:
فصبرت عارفة لذلك حرة |
|
ترسو إذا نفس الجبان تطلع |
ونسبه كما ترى لأبي ذؤيب بل هو لعنترة ينظر كما تقدم تخريجه في سورة هود.
(٢) تقدم.