ولا تثني عينيك عنهم ؛ لأجل مجالسة الأغنياء.
ثم قال : «تريد» جملة حالية ، ويجوز أن يكون فاعل «تريد» المخاطب ، أي : تريد أنت ، ويجوز أن يكون ضمير العينين ، وإنما وحّد ؛ لأنهما متلازمان يجوز أن يخبر عنهما خبر الواحد ، ومنه قول امرىء القيس : [الهزج]
٣٥٠٩ ـ لمن زحلوفة زلّ |
|
بها العينان تنهلّ (١) |
وقول الآخر : [الكامل]
٣٥١٠ ـ وكأنّ في العينين حبّ قرنفل |
|
أو سنبلا كحلت به فانهلّت (٢) |
وفيه غير ذلك ، ونسبة الإرادة إلى العينين مجاز ، وقال الزمخشري : «الجملة في موضع الحال» قال أبو حيان : «وصاحب الحال ، إن قدّر «عيناك» فكان يكون التركيب : يريدان». قال شهاب الدين : غفل عن القاعدة المتقدّمة : من أنّ الشيئين المتلازمين يجوز أن يخبر عنهما إخبار الواحد ، ثم قال : «وإن قدّر الكاف ، فمجيء الحال من المجرور بالإضافة نحو هذا فيه إشكال ؛ لاختلاف العامل في الحال ، وذي الحال ، وقد أجاز ذلك بعضهم ، إذا كان المضاف جزءا أو كالجزء ، وحسّن ذلك أنّ المقصود هو نهيه ـ عليه الصلاة السلام ـ وإنما جيء بقوله «عيناك» والمقصود هو ؛ لأنّهما بهما تكون المراعاة للشخص والتلفّت له».
قال شهاب الدين : وقد ظهر لي وجه حسن ، لم أر غيري ذكره : وهو أن يكون «تعد» مسندا لضمير المخاطب صلىاللهعليهوسلم ، و«عيناك» بدل من الضمير ، بدل بعض من كل ، و«تريد» على وجهيها من كونها حالا من «عيناك» أو من الضمير في «تعد» إلا أن في جعلها حالا من الضمير في (وَلا تَعْدُ) ضعفا ؛ من حيث إنّ مراعاة المبدل منه بعد ذكر البدل قليل جدّا ، تقول : «الجارية حسنها فاتن» ولا يجوز «فاتنة» إلّا قليلا ، كقوله :
٣٥١١ أـ فكأنّه لهق السّراة كأنّه |
|
ما حاجبيه معيّن بسواد (٣) |
فقال : «معيّن» مراعاة للهاء في «كأنّه» وكان الفصيح أن يقول : «معيّنان» مراعاة لحاجبيه الذي هو البدل.
فصل
(تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ، أي : تطلب مجالسة الأغنياء ، والأشراف ، وصحبة أهل الدنيا ، ولما جاء أمره بمجالسة الفقراء من المسلمين ، نهاه عن الالتفات إلى قول الأغنياء والمتكبرين ، فقال : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) يعني عيينة بن حصين (٤) ، وقيل : أميّة بن
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٥٩.