قوله : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) : «لولا» تحضيضيّة داخلة على «قلت» و«إذ دخلت» منصوب ب «قلت» فصل به بين «لولا» وما دخلت عليه ، ولم يبال بذلك ؛ لأنه ليس بأجنبيّ ، وقد عرفت أنّ حرف التحضيض ، إذا دخل على الماضي ، كان للتّوبيخ.
ومعنى الكلام : هلّا إذا دخلت جنّتك ، قلت : ما شاء الله ، أي : الأمر ما شاء الله ، وقيل : جوابه مضمر ، أي : ما شاء الله كان.
(ما شاءَ اللهُ) يجوز في «ما» وجهان :
الأول : أن تكون شرطية ؛ فتكون في محلّ نصب مفعولا مقدما وجوبا ب «شاء» أي : أيّ شيء شاء الله ، والجواب محذوف ، أي : ما شاء الله ، كان ووقع كما تقدم.
والثاني : أنها موصولة بمعنى «الذي» وفيها حينئذ وجهان :
أحدهما : أن تكون مبتدأة ، وخبرها محذوف ، أي : الذي شاء الله كائن وواقع.
والثاني : أنها خبر مبتدأ مضمر ، تقديره : الأمر الذي شاء الله ، وعلى كل تقدير : [فهذه الجملة] في محل نصب بالقول.
قوله : (إِلَّا بِاللهِ) خبر «لا» التبرئة ، والجملة أيضا منصوبة بالقول ، أي : هلّا قلت هاتين الجملتين.
فإن قيل : معنى (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) أي : لا أقدر على حفظ مالي ، ولا دفع شيء عنه إلّا بالله.
روى هشام بن عروة عن أبيه : «أنّه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه ، أو دخل حائطا من حيطانه قال : ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله» (١).
فالجواب : احتجّ أهل السنّة بقوله : (ما شاءَ اللهُ) على أنّ كلّ ما أراده الله واقع ، وكلّ ما لم يقع ، لم يرده الله تعالى ؛ وهذا يدلّ على أن الله ما أراد الإيمان من الكافر ، وهو صريح في إبطال قول المعتزلة.
فصل في الرد على استدلال المعتزلة بالآية
[ذكر الجبائيّ](٢) والكعبيّ بأنّ تأويل قولهم : (ما شاءَ اللهُ) ممّا تولّى فعله ، لا ما هو فعل العباد ، كما قالوا : لا مردّ لأمر الله ، لم يرد ما أمر به العباد ، ثم قال : لا يمتنع أن يحصل في سلطانه ما لا يريد ، كما يحصل فيه ما ينهى عنه.
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٠٤) وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) في ب : أجاب.