وقرأ (١) عيسى بن عمر «أقلّ» بالرفع ، ويتعيّن أن يكون «أنا» مبتدأ ، و«أقلّ» خبره ، والجملة : إمّا في موضع المفعول الثاني ، أو في موضع الحال على ما تقدّم في الرؤية.
و (مالاً وَوَلَداً) تمييز ، وجواب الشرط قوله (فَعَسى رَبِّي).
قوله : (حُسْباناً) : الحسبان مصدر حسب الشيء يحسبه ، أي : أحصاه ، قال الزجاج : «أي عذاب حسبان ، أي : حساب ما كسبت يداك» وهو حسن.
فصل في معنى الحسبان
قال الراغب (٢) : «قيل : معناه نارا ، وعذابا ، وإنما هو في الحقيقة ما يحاسب عليه ، فيجازى بحسبه» وهذا موافق لما قاله أبو إسحاق ، والزمخشريّ نحا إليه أيضا ، فقال : «والحسبان مصدر ؛ كالغفران والبطلان بمعنى الحساب ، أي : مقدارا حسبه الله وقدّره ، وهو الحكم بتخريبها». وهو قول ابن عباس وقيل : جمع حسبانة ، وهي السّهم.
وقال ابن قتيبة : مرامي من السّماء ، وهي مثل الصّاعقة ، أي : قطع من النّار.
قوله : (أَوْ يُصْبِحَ) : عطف على «يرسل» قال أبو حيّان : و«أو يصبح» عطف على قوله : «ويرسل» لأن غؤور الماء لا يتسبّب عن الآفة السماوية ، إلا إن عنى بالحسبان القضاء [الإلهيّ](٣) ؛ فحينئذ يتسبّب عنه إصباح الجنة صعيدا زلقا ، أو إصباح مائها غورا.
والزّلق والغور في الأصل : مصدران وصف بهما للمبالغة.
والعامة على فتح الغين ، غار الماء يغور غورا : غاض وذهب في الأرض ، وقرأ (٤) البرجميّ بضم الغين لغة في المصدر ، وقرأت (٥) طائفة «غؤورا» بضمّ الغين ، والهمزة ، وواو ساكنة ، وهو مصدر أيضا ، يقال : غار الماء غؤورا مثل : جلس جلوسا.
فصل في معنى قوله : (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً)
معنى قوله : (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) أرضا جرداء ملساء لا نبات فيها ، وقيل : تزلق فيها الأقدام.
وقال مجاهد (٦) : رملا هائلا ، والصعيد وجه الأرض.
(أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) أي : غائرا منقطعا ذاهبا لا تناله الأيدي ، ولا الدّلاء ، والغور: مصدر وقع موقع الاسم ، مثل زور وعدل.
قوله : (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) أي : فيصير بحيث لا تقدر على ردّه إلى موضعه.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٢٣ ، والبحر ٦ / ١٢٣ ، والدر المصون ٤ / ٤٥٨.
(٢) ينظر : المفردات ١١٦.
(٣) في ب : السماوي.
(٤) ينظر : البحر ٦ / ١٢٣ ، والدر المصون ٤ / ٤٥٩.
(٥) ينظر : تخريج القراءة السابقة.
(٦) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٦٣.