ثمّ أخبر الله تعالى أنّه حقّق ما قدره هذا المؤمن ، فقال : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) أي : أحاط العذاب بثمر جنته ، وهو عبارة عن إهلاكه بالكليّة ، وأصله من إحاطة العدوّ ؛ لأنّه إذا أحاط به ، فقد استولى عليه ، ثمّ استعمل في كلّ إهلاك ، ومنه قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) [يوسف : ٦٦].
قوله : (يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) : قرىء (١) «تقلّب كفّاه» ، أي : تتقلّب كفّاه ، و«أصبح»: يجوز أن تكون على بابها ، وأن تكون بمعنى «صار» وهذا كناية عن الندم ؛ لأنّ النادم يفعل ذلك.
قوله : (عَلى ما أَنْفَقَ) يجوز أن يتعلق ب «يقلّب» وإنما عدّي ب «على» لأنه ضمّن معنى «يندم».
وقوله : «فيها» ، أي : في عمارتها ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنّه حال من فاعل «يقلّب» أي : متحسّرا ، كذا قدّره أبو البقاء (٢) ، وهو تفسير معنى ، والتقدير الصناعي ؛ إنما هو كون مطلق.
قوله : «ويقول» يجوز أن يكون معطوفا على «يقلّب» ويجوز أن يكون حالا.
فصل في كيفية الإحاطة
قال المفسرون : إنّ الله تعالى أرسل عليها نارا ، فأهلكتها وغار ماؤها ، (فَأَصْبَحَ) صاحبها الكافر (يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) ، أي : يصفّق بيديه ، إحداهما على الأخرى ، ويقلّب كفّيه ظهرا لبطن ؛ تأسّفا وتلهّفا (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ) ساقطة (عَلى عُرُوشِها) سقوفها ، فتسقّطت سقوفها ، ثمّ سقطت الجدران عليها.
ويمكن أنّ يكون المراد بالعروش عروش الكرم ، فتسقط العروش ، ثمّ تسقط الجدران عليها.
قوله : (وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً).
والمعنى : أن المؤمن ، لمّا قال : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) قال الكافر : يا ليتني قلت كذلك.
فإن قيل : هذا الكلام يوهم أنه إنما هلكت جنّته ؛ لشؤم شركه ، وليس الأمر كذلك ؛ لأنّ أنواع البلاء أكثرها إنّما تقع للمؤمنين ، قال تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) [الزخرف : ٣٣].
وقال صلىاللهعليهوسلم : «خصّ البلاء بالأنبياء ، ثمّ الأولياء ، ثمّ الأمثل فالأمثل».
وأيضا : فلما قال : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) فقدم ندم على الشّرك ، ورغب في
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ٤٥٩.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ١٠٣.