قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤٩)
قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) الآية.
أي : واضرب ، يا محمد ، لهؤلاء الذين افتخروا بأموالهم ، وأنصارهم على فقراء المسلمين (مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ثم ذكر المثل فقال : (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ).
قوله : (كَماءٍ) : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون خبر مبتدأ محذوف ، فقدّره ابن عطيّة هي ، أي : الحياة الدنيا.
والثاني : أنه متعلق بمعنى المصدر ، أي : ضربا كماء ، قاله الحوفيّ. وهذا بناء منهما على أن «ضرب» هذه متعدية لواحد فقط.
والثالث : أنه في موضع المفعول الثاني ل «اضرب» لأنها بمعنى «صيّر» وقد تقدم.
قال أبو حيان بعد ما نقل قولي ابن عطيّة والحوفيّ : «وأقول : إنّ «كماء» في موضع المفعول الثاني لقوله «واضرب» ، أي : وصيّر لهم مثل الحياة ، أي : صفتها شبه ماء». قال شهاب الدين : وهذا قد سبقه إليه أبو البقاء (١).
و«أنزلناه» صفة ل «ماء».
قوله : (فَاخْتَلَطَ بِهِ) يجوز في هذه الباء وجهان :
أحدهما : أن تكون سببية.
الثاني : أن تكون متعدّية ، قال الزمخشريّ : «فالتفّ بسببه ، وتكاثف حتى خالط بعضه بعضا ، وقيل : تجمع الماء في النبات ؛ حتى روي ورفّ رفيفا ، وكان حق اللفظ على هذا التفسير: فاختلط بنبات الأرض ، ووجه صحته : أنّ كلّ مختلطين موصوف كل واحد منهما بصفة الآخر».
قوله : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) «أصبح» يجوز أن تكون على بابها ؛ فإنّ أكثر ما يطرق من الآفات صباحا ؛ كقوله : (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) [الكهف : ٤٢] ويجوز أن تكون بمعنى
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ١٠٤.