قوله : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) قادرا بتكوينه أولا ، وتنميته وسطا ، وإبطاله آخرا ، فأحوال الدنيا كذلك تظهر أولا في غاية الحسن والنّضارة ، ثم تتزايد قليلا قليلا ، ثم تأخذ في الانحطاط إلى أن تنتهي إلى الفناء والذّهاب ، ومثل هذا الشيء ليس للعاقل أن يبتهج به.
فصل في حسن ترتيب الآيات
قوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) الآية.
لما بيّن تعالى أنّ الدنيا سريعة الانقراض والانقضاء مشرفة على الزّوال والبوار والفناء ، بيّن تعالى أنّ المال والبنين زينة الحياة الدنيا ، والمقصود منه إدخال هذا الجزئيّ تحت ذلك الكليّ ، فينعقد به قياس بيّن الإنتاج ، وهو أنّ المال والبنين زينة الحياة الدنيا ، وكل ما كان زينة الحياة الدنيا ، فهو سريع الانقضاء والانقراض ، ومن اليقين البديهيّ ، أن ما كان كذلك ، فإنه يقبح بالعاقل أن يفتخر به ، أو يقيم له في نظره وزنا ، فهذا برهان باهر على فساد قول المشركين الذين افتخروا بكثرة الأموال والأولاد على فقراء [المؤمنين](١).
قوله : (زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) : إنما أفرد «زينة» وإن كانت خبرا عن «بنين» لأنّها مصدر ، فالتقدير : ذوا زينة ، إذ جعلا نفس المصدر ؛ مبالغة ؛ إذ بهما تحصل الزينة ، أو بمعنى مزيّنتين ، وقرىء شاذّا زينتا الحياة الدنيا على التثنية ، وسقطت ألفها لفظا لالتقاء الساكنين ، فيتوهم أنه قرىء بنصب «زينة الحياة».
فصل في بيان رجحان فقراء المؤمنين على أغنياء الكفار
لما أقام البرهان على فساد قول المشركين ، ذكر ما يدلّ على رجحان أولئك الفقراء على أغنياء الكفّار ، فقال : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ).
وبيان هذا الدليل : أنّ خيرات الدنيا [منقرضة](٢) ، وخيرات الآخرة باقية دائمة ، والدائم الباقي خير من المنقرض الزائل ، وهذا معلوم بالضّرورة.
قال علي بن أبي طالب (٣) ـ رضي الله عنه ـ : المال والبنون حرث الحياة الدنيا ، والأعمال الصالحة حرث الآخرة ، وقد يجمعها الله لأقوام.
وقال ابن عبّاس وعكرمة ومجاهد (٤) : الباقيات الصالحات هي قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر.
__________________
(١) في ب : المسلمين.
(٢) في ب : منقضية.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٠٨) وعزاه لابن أبي حاتم.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٦٤).
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٠٨) وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٦٤).