قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إيّاكم ومحقّرات الذنوب ؛ فإنّما مثل محقّرات الذّنوب مثل قوم نزلوا ببطن واد ، فجاء هذا بعود ، وجاء هذا بعود ، وجاء هذا بعود ، حتّى أنضجوا خبزتهم ، وإنّ محقّرات الذنوب لموبقات» (١).
(وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) مكتوبا في الصّحيفة.
(وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) لا ينقص ثواب أحد عمل خيرا.
وقال الضحاك : لم يؤاخذ أحدا بجرم لم يعمله (٢).
فصل في الرد على المجبرة
قال الجبائي (٣) : هذه الآية تدلّ على فساد قول المجبرة في مسائل :
أحدها : أنه لو عذّب عباده من غير ذنب صدر منهم ، لكان ظالما.
وثانيها : أنه لا يعذّب الأطفال بغير ذنب.
وثالثها : بطلان قولهم : لله أن يفعل ما شاء ، ويعذّب من غير جرم ؛ لأنّ الخلق خلقه ، إذ لو كان كذلك ، لما كان لنفي الظلم عنه معنى ؛ لأنّ بتقدير أنه إذا فعل أي شيء ، لم يكن ظلما منه ؛ لم يكن لقوله : «إنّه لا يظلم» فائدة.
فإن قيل : أيّ فائدة في ذلك؟.
فالجواب عن الأوّل بمعارضة العلم والدّاعي.
وعن الثاني : أنّه تعالى ، قال : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) [مريم : ٣٥] ولم يدلّ هذا على أنّ اتخاذ الولد يصحّ عليه ، فكذلك ها هنا.
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)(٥٤)
قوله : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) الآية.
اعلم أنّ المقصود في الآيات المتقدّمة الردّ على الذين افتخروا بأموالهم ، وأعوانهم
__________________
(١) أخرجه أحمد في «مسنده» (٥ / ٣٣١).
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٦٦).
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١١٤.