على فقراء المسلمين ، وهذه الآية المقصود من ذكرها عين هذا المعنى ؛ وذلك : أنّ إبليس ، إنما تكبّر على آدم ؛ لأنّه افتخر بأصله ونسبه ، فقال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف : ١٢] فأنا أشرف منه أصلا ونسبا ، فكيف أسجد له ، وكيف أتواضع له؟ وهؤلاء المشركون عاملوا فقراء المؤمنين بهذه المعاملة ، فقالوا : كيف نجالس هؤلاء الفقراء ، مع أنّا من أنساب شريفة ، وهم من أنساب نازلة ، ونحن أغنياء ، وهم فقراء؟ فذكر الله هذه القصة ؛ تنبيها على أنّ هذه الطريقة بعينها طريقة إبليس ، ثم إنه تعالى حذّر عنها ، وعن الاقتداء بها في قوله : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ) ، وهذا وجه النظم.
قوله : (وَإِذْ قُلْنا) : أي : اذكر.
قوله : (كانَ مِنَ الْجِنِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه استئناف يفيد التعليل ؛ جوابا لسؤال مقدّر.
والثاني : أن الجملة حالية ، و«قد» معها مرادة ، قاله أبو البقاء (١).
قوله : «ففسق» السببية في الفاء ظاهرة ، تسبّب عن كونه من الجنّ الفسق ، قال أبو البقاء (٢) : إنما أدخل الفاء هنا ؛ لأنّ المعنى : «إلّا إبليس امتنع ففسق». قال شهاب الدين : إن عنى أنّ قوله (كانَ مِنَ الْجِنِّ) وضع موضع قوله «امتنع» فيحتمل مع بعده ، وإن عنى أنه حذف فعل عطف عليه هذا ، فليس بصحيح ؛ للاستغناء عنه.
قوله : (عَنْ أَمْرِ) «عن» على بابها من المجاوزة ، وهي متعلقة ب «فسق» ، أي : خرج مجاوزا أمر ربّه ، وقيل : هي بمعنى الباء ، أي : بسبب أمره ؛ فإنه فعّال لما يريد.
قوله : «وذرّيته» يجوز في الواو أن تكون عاطفة ، وهو الظاهر ، وأن تكون بمعنى «مع» و (مِنْ دُونِي) يجوز تعلقه بالاتّخاذ ، وبمحذوف على أنّه صفة لأولياء.
قوله : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) جملة حالية من مفعول الاتخاذ أو فاعله ؛ لأن فيها مصححا لكلّ من الوجهين ، وهو الرابط.
قوله : «بئس» فاعلها مضمر مفسّر بتمييزه ، والمخصوص بالذمّ محذوف ، تقديره : بئس البدل إبليس وذريّته. وقوله «للظّالمين» متعلق بمحذوف حالا من «بدلا» وقيل : متعلق بفعل الذمّ.
فصل في الخلاف في أصل إبليس
اعلم أنه تعالى بيّن في هذه الآية أنّ إبليس كان من الجنّ ، وللنّاس في الآية أقوال :
الأول : قال ابن عبّاس (٣) : كان من حيّ من الملائكة ، يقال لهم الحنّ ، خلقوا من
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ١٠٤.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ١٠٤.
(٣) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٦٦.