لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)(٨٢)
قوله : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ) أي قرى الأوّلين : قوم نوح وعاد وغيرهم ، وتلك مبتدأ ، والقرى خبره.
و«أهلكناهم» حينئذ : إمّا خبر ثان ، أو حال ، ويجوز أن تكون «تلك» مبتدأ ، و«القرى» صفتها لأنّ أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجنس أو بيان لها ، أو بدل منها ، و«أهلكناها» الخبر ، ويجوز أن يكون «تلك» منصوب المحلّ بفعل مقدّر على الاشتغال.
والإضمار في «أهلكناهم» عائد على «أهل» المضاف إلى القرى ، إذ التقدير : وأهل تلك القرى ، فراعى المحذوف ، فأعاد عليه الضمير ، وتقدّم ذلك في أول الأعراف [الآية : ٤].
و (لَمَّا ظَلَمُوا) يجوز أن يكون حرفا ، وأن يكون ظرفا ، وقد تقدّم.
قوله : (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) قرأ (١) عاصم «مهلك» بفتح الميم ، والباقون بضمها ، وحفص بكسر اللام ، والباقون بفتحها ، فتحصّل من ذلك ثلاث قراءات ، لعاصم قراءتان : فتح الميم مع فتح اللام ، وهي رواية أبي بكر عنه ، والثانية فتح الميم ، مع كسر اللام ، وهي رواية حفص عنه ، والثالثة : ضم الميم ، وفتح اللام ، وهي قراءة الباقين.
وأمّا قراءة أبي بكر ، ف «مهلك» فيها مصدر مضاف لفاعله ، وجوّز أبو عليّ أن
__________________
(١) ينظر في قراءاتها : السبعة ٣٩٣ ، والتيسير ١٤٤ ، والنشر ٢ / ٣١١ والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٥٦ ، والوسيط ٣ / ١٥٥ ، والقرطبي ١٠ / ٨ ، والبحر ٦ / ١٣٣ ، والدر المصون ٤ / ٤٦٧.