والحقبة بالضمّ أيضا ، وتجمع الأولى على حقب ، بكسر الحاء كقرب ، والثانية على حقب ، بضمّها ؛ كقرب.
فإن قيل قوله : (أَوْ أَمْضِيَ) فيه وجهان :
أظهرهما : أنه منسوق على «أبلغ» يعني بأحد أمرين : إمّا ببلوغه المجمع ، أو بمضيّه حقبا.
والثاني : أنه تغيية لقوله «لا أبرح» فيكون منصوبا بإضمار «أن» بعد «أو» بمعنى «إلى» نحو «لألزمنّك أو تقضيني حقّي».
فالجواب قال أبو حيان : «فالمعنى : لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ، إلى أن أمضي زمانا ، أتيقّن معه فوات مجمع البحرين» قال شهاب الدين : فيكون الفعل المنفيّ قد غيّي بغايتين مكانا وزمانا ؛ فلا بدّ من حصولهما معا ، نحو : «لأسيرنّ إلى بيتك إلى الظّهر» فلا بدّ من حصول الغايتين ؛ والمعنى الذي ذكره الشيخ يقتضي أنه يمضي زمانا يتيقّن فيه فوات مجمع البحرين.
وجعل أبو البقاء (١) «أو» هنا بمعنى «إلّا» في أحد الوجهين :
قال : «والثاني : أنها بمعنى : إلّا أن أمضي زمانا ؛ أتيقنّ معه فوات مجمع البحرين» وهذا الذي ذكره أبو البقاء معنى صحيح ، فأخذ الشيخ هذا المعنى ، ركّبه مع القول بأنّها بمعنى «إلى» المقتضية للغاية ، فمن ثمّ جاء الإشكال.
فصل في المراد بمجمع البحرين
قوله : (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) ؛ الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر ـ عليهالسلام ـ : هو ملتقى بحرين فارس والرّوم ممّا يلي المشرق ، قاله قتادة ، [وقال محمد بن كعب : طنجة](٢) وقال أبي بن كعب : إفريقيّة.
وقيل : البحران موسى والخضر ؛ لأنّهما كانا بحري علم. وليس في اللفظ ما يدل على تعيين هذين البحرين ؛ فإن صحّ بالخبر الصحيح شيء فذاك ، وإلّا فالأولى السّكوت عنه.
ثم قال : «أو أمضي حقبا» : أو أسير زمانا طويلا.
واعلم أنّ الله تعالى كان أعلم موسى حال هذا العالم ، وما أعلمه بموضعه بعينه ، فقال موسى : لا أزال أمشي ؛ حتّى يجتمع البحران ، فيصيرا بحرا واحدا ، أو أمضي دهرا طويلا ؛ حتّى أجد هذا العالم ، وهذا إخبار من موسى أنّه وطن نفسه على تحمّل التّعب الشّديد ، والعناء العظيم في السّفر ؛ لأجل طلب العلم ، وذلك تنبيه على أنّ المتعلّم ، لو سار من المشرق إلى المغرب ؛ لأجل مسألة واحدة ، حقّ له ذلك.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ١٠٥.
(٢) زيادة من ب.