وهي في المكتل ، فاضطربت ، وعاشت ، فوثبت في البحر.
ثم قال تعالى : (نَسِيا حُوتَهُما) أي : نسيا كيفيّة الاستدلال بهذه الحالة المخصوصة على الوصول إلى المطلوب ، فإن قيل : انقلاب السّمكة المالحة حيّة [حالة] عجيبة [فلما] جعل الله تعالى حصول هذه الحالة العجيبة دليلا على الوصول إلى المطلوب ، فكيف يعقل حصول النّسيان في هذا المعنى؟.
فالجواب (١) أنّ يوشع كان قد شاهد المعجزات الباهرات من موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ كثيرا ، فلم يبق لهذه المعجزات عنده وقع عظيم ، فجاز حصول النّسيان.
وهذا الجواب فيه نظر.
قال ابن زيد : أي شيء أعجب من حوت يؤكل منه دهرا ، ثم صار حيّا بعد ما أكل بعضه (٢).
فصل في ذكر جواب آخر لابن الخطيب
قال ابن الخطيب (٣) : وعندي فيه جواب آخر ، وهو أنّ موسى ـ عليهالسلام ـ لما استعظم علم نفسه ، أزال الله عن قلب صاحبه هذا العلم الضروريّ ؛ تنبيها لموسى عليهالسلام ـ على أنّ العلم لا يحصل ألبتّة إلا بتعليم الله تعالى ، وحفظه على القلب.
وقال البغويّ (٤) : «نسيا» تركا «حوتهما» ، وإنما كان الحوت مع يوشع ، وهو الذي نسيه ، وأضاف النّسيان إليهما ؛ لأنهما جميعا لمّا تزوّداه لسفرهما ، كما يقال : خرج القوم إلى موضع كذا ، وحملوا من الزّاد كذا [وإنما حمله واحد منهم. ثم قال : «واتخذ سبيله في البحر سربا» قيل : تقديره سرب في البحر سربا»](٥) إلّا أنّه أقيم قوله : «فاتّخذ» مقام قوله : «سربا» ، والسّرب هو الذهاب ومنه قوله تعالى : (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) [الرعد : ١٠].
وقيل : إن الله تعالى أمسك الماء عن الجري ، وجعله كالطاق والكوّة ؛ حتّى سرب الحوت فيه ، وذلك معجزة لموسى أو الخضر ـ عليهماالسلام ـ.
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : انجاب الماء عن مسلك الحوت ، فصار كوّة ، لم يلتئم ، فدخل موسى الكوّة على إثر الحوت ، فإذا هو بالخضر (٦).
وقوله : (فَلَمَّا جاوَزا) أي : موسى وفتاه الموعد المعين ، وهو الوصول إلى الصخرة بسبب النّسيان المذكور ، وذهبا كثيرا ، وتعبا ، وجاعا.
(قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا) والغداء : ما يعدّ للأكل غدوة ، والعشاء : ما يعدّ للأكل
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٢٥.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٢٤٩) عن ابن زيد.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٢٥.
(٤) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٧١.
(٥) سقط من أ.
(٦) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ١٢٥) بمعناه.