وقيل : كان من أبناء الملوك الذين زهدوا في الدنيا ، والخضر لقب له ، سمّي بذلك ؛ لما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّما سمّي خضرا ؛ لأنّه جلس على فروة بيضاء ، فإذا هي تهتزّ تحته خضرا» (١).
وقال مجاهد : إنّما سمّي خضرا ؛ لأنّه كان إذا صلّى ، اخضرّ ما حوله (٢).
روي في الحديث أنّ موسى ـ عليهالسلام ـ لمّا رأى الخضر ـ عليهالسلام ـ سلّم عليه ، فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام؟ قال : أنا موسى ، قال : موسى بني إسرائيل؟
قال : نعم ، أتيتك ؛ لتعلّمني ممّا علّمت رشدا (٣).
فصل في بيان أن الخضر كان نبيا
قال أكثر المفسرين (٤) : إنّه كان نبيّا ، واحتجوا بوجوه :
الأول : قوله : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) والرحمة : هي النبوة ؛ لقوله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٣٢].
وقوله : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [القصص : ٨٦].
والمراد من هذه الرحمة النبوة ، ولقائل أن يقول : سلّمنا أن النبوّة رحمة ، ولكن لا يلزم بكلّ رحمة نبوة.
الثاني : قوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) وهذا يدل على أنه علمه لا بواسطة ، ومن علّمه الله شيئا ، لا بواسطة البشر ، يجب أن يكون نبيّا ، وهذا ضعيف ؛ لأنّ العلوم الضرورية تحصل ابتداء من عند الله ، وذلك لا يدلّ على النبوّة.
الثالث : قول موسى ـ عليهالسلام ـ : «هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا» والنبي لا يتّبع غير النبيّ في التعلّم.
وهذا أيضا ضعيف ؛ لأنّ النبي لا يتبع غير النبي في العلوم التي باعتبارها صار نبيّا ، [أما في غير تلك العلوم فلا](٥).
الرابع : أنّ ذلك العبد أظهر الترفّع على موسى ، فقال : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) فأما موسى ، فإنه أظهر التواضع له ؛ حيث قال : (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) وذلك يدلّ على أنّ ذلك العالم كان فوق موسى ، ومن لا يكون نبيّا ، لا يكون فوق النبيّ ، وذلك أيضا ضعيف ؛ لأنّه يجوز أن يكون غير النبيّ فوق النبي في علوم لا تتوقّف نبوته عليها.
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٢٤) وعزاه إلى ابن عساكر عن ابن عباس.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٢٤) وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر.
(٣) فقدم تخريجه وهو في الصحيحين.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٢٦.
(٥) سقط من أ.