قال قتادة : شرّ القرى التي لا تضيّف الضّيف (١).
وروي عن أبي هريرة : «أطعمتهما امرأة من أهل بربر بعد أن طلبا من الرّجال ، فلم يطعموهما ؛ فدعوا لنسائهم ، ولعنا رجالهم» (٢).
قوله : (اسْتَطْعَما أَهْلَها) : جواب «إذا» أي : سألاهم الطعام ، وفي تكرير «أهلها» وجهان :
أحدهما : أنه توكيد من باب إقامة الظاهر مقام المضمر ؛ كقوله : [الخفيف]
٣٥٥٢ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (٣) |
وقول الآخر : [الكامل]
٣٥٥٣ ـ ليت الغراب غداة ينعب دائما |
|
كان الغراب مقطّع الأوداج (٤) |
والثاني : أنّه للتأسيس ؛ وذلك أنّ الأهل المأتيّين ليسوا جميع الأهل ، إنما هم البعض ؛ إذ لا يمكن أن يأتينا جميع الأهل في العادة في وقت واحد ، فلما ذكر الاستطعام ، ذكره بالنسبة إلى جميع الأهل ، كأنهما تتبعا الأهل واحدا واحدا ، فلو قيل : استطعماهم ، لاحتمل أنّ الضمير يعود على ذلك البعض المأتيّ ، دون غيره ، فكرّر الأهل لذلك.
فإن قيل : الاستطعام ليس من عادة الكرام ، فكيف أقدم عليه موسى ، مع أنّ موسى كان من عادته طلب الطعام من الله تعالى ، كما حكى عنه قوله : (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص : ٢٤].
فالجواب (٥) : أنّ إقدام الجائع على الاستطعام أمر مباح في كلّ الشرائع ، بل ربّما وجب عند خوف الضّرر الشديد.
فإن قيل : إنّ الضيافة من المندوبات ، فتركها ترك المندوب ، وذلك أمر غير منكر ، فكيف يجوز من موسى ـ عليهالسلام ـ مع علوّ منصبه أن يغضب عليهم الغضب الشديد الذي لأجله ترك العهد الذي التزمه مع ذلك العالم في قوله : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي).
وأيضا مثل هذا الغضب لأجل ترك الأكل في ليلة واحدة ، لا يليق بأدون الناس فضلا عن كليم الله؟.
فالجواب : أنّ الضيافة قد تكون من الواجبات ، بأن كان الضيف قد بلغ في الجوع إلى حيث لو لم يأكل ، لهلك ، وإذا كان كذلك ، لم يكن الغضب الشديد لأجل ترك
__________________
(١) ينظر : البغوي (٣ / ١٧٥).
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٧٥).
(٣) تقدم.
(٤) تقدم برقم ٥١٩.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٣٣.