الأكل [ليلة](١) ، بل كان لأجل تركهم الواجب عليهم.
فإن قيل : إنه ما بلغ في الجوع إلى حدّ الهلاك ؛ بدليل أنّه قال : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) ، ولو كان بلغ في الجوع إلى حدّ الهلاك ، لما قدر على ذلك العمل ، فكيف يصحّ منه طلب الأجرة؟.
فالجواب : لعلّ ذلك الجوع كان شديدا ، إلّا أنّه ما بلغ حدّ الهلاك.
قوله : «أن يضيفوهما» مفعول به لقوله «أبوا» والعامة على التشديد من ضيّفه يضيّفه.
والحسن (٢) وأبو رجاء وأبو رزين بالتخفيف من : أضافه يضيفه وهما مثل : ميّله وأماله.
روي أنّ أهل تلك القرية ، لمّا سمعوا نزول هذه الآية ، استحيوا ، وجاءوا إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بحمل من الذّهب ، وقالوا : يا رسول الله ، نشتري بهذا الذّهب أن تجعل الباء تاء ؛ حتى تصير القراءة «فأتوا أن يضيفوهما» ، أي : أتوا [لأجل أن](٣) يضيّفوهما ، أي كان إتيانهم لأجل الضّيافة ، وقالوا : غرضنا منه أن يندفع عنّا هذا اللّؤم ، فامتنع النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقال : «تغير هذه النّقطة يوجب دخول الكذب في كلام الله تعالى ، وذلك يوجب القدح في الإلهيّة» (٤).
قوله : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) أي : فرأيا في القرية حائطا مائلا.
وقوله : (أَنْ يَنْقَضَّ) مفعول للإرادة ، و«انقضّ» يحتمل أن يكون وزنه «انفعل» من انقضاض الطائر ، أو من القضّة ، وهي الحصى الصّغار ، والمعنى : يريد أن يتفتّت ، كالحصى ، ومنه طعام قضض ، إذا كان فيه حصى صغار ، وأن يكون وزنه «افعل» ك «احمرّ» من النقض ، يقال : نقض البناء ينقضه ، إذا هدمه ، ويؤيد هذا ما في حرف عبد الله وقراءة (٥) الأعمش «يريد لينقض» مبنيّا للمفعول ؛ واللام كهي في قوله (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨]. وما قرأ به أبيّ «يريد أن ينقض» بغير لام كي.
وقرأ الزهريّ «أن ينقاض» بألف بعد القاف. قال الفارسي : «هو من قولهم قضته فانقاض» أي : هدمته ، فانهدم. قال شهاب الدين : فعلى هذا يكون وزنه ينفعل ، والأصل : «انقيض» فأبدلت الياء ألفا ، ولمّا نقل أبو البقاء (٦) هذه القراءة قال : «مثل :
__________________
(١) في ب : يوما.
(٢) ينظر : الإتحاف ٢ / ٢٢٢ ، والبحر ٦ / ١٤٣ ، والدر المصون ٤ / ٤٧٥.
(٣) في ب : لأن.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ١٣٤).
(٥) ينظر في قراءاتها : المحتسب ٢ / ٣١ ، والإتحاف ٢ / ٢٢٢ ، والشواذ ٨١ ، والبحر ٦ / ١٤٣ ، والدر المصون ٤ / ٤٧٦.
(٦) ينظر : الإملاء ٢ / ١٠٧.