ابن (١) عباس «رحما» بفتح الراء ، وكسر الحاء ، و«زكاة ورحما» منصوبان على التمييز.
والمعنى : هذا البدل يكون [أقرب](٢) عطفا ورحمة بأبويه ، وأشفق عليهما.
فصل في المبدل به
قال الكلبيّ : أبدلهما الله جارية تزوّجها نبيّ من الأنبياء ، فولدت له نبيّا ، فهدى الله على يديه أمّة من الأمم (٣).
قوله : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) وكان اسمهما «أصرم» و«صريم».
واعلم أنه سمّى القرية في قوله : (أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) وسمّى القرية هنا مدينة بقوله : (يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) فدلّ على جواز [تسمية] إحداهما بالأخرى ، ثم قال : (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما).
روى أبو الدرداء (٤) عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «كان ذهبا ، وفضّة».
وقال عكرمة : كان مالا (٥) ، ويدلّ على ذلك أنّ المفهوم من لفظ الكنز هو المال.
وعن ابن عباس (٦) قال : «كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه : عجبا لمن أيقن بالموت ، كيف يفرح ، عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب ، عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ، عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، عجبا لمن أيقن بزوال الدّنيا ، وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، وفي الخطاب الجانب الاخر : أنا الله ، لا إله إلا أنا ، وحدي لا شريك لي ، خلقت الخير والشرّ فطوبى [لمن] خلقته للخير ، وأجريته على يديه ، والويل لمن خلقته للشرّ ، وأجريته على يديه».
وهذا قول أكثر المفسّرين وروي أيضا مرفوعا ، قال الزجاج : والكنز إذا أطلق إنما ينصرف إلى كنز المال ، ويجوز عند التّقييد لكنز العلم ، يقال : عنده كنز علم. وهذا اللوح كان جامعا لهما.
(وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) قيل : كان [اسمه] «كاشح» وكان من الأنبياء ، قال ابن عباس : حفظا بصلاح أبيهما ، ولهذا قيل : إنّ الرّجل الصالح يكون كنزه العلم لا المال ، قيل : كان بينهما وبين الأب الصّالح سبعة آباء وهذا يدل على أنّ صلاح الإنسان يفيد العناية بأحوال أبنائه ، فإن قيل : اليتيمان ، هل أحد منهما عرف حصول الكنز تحت ذلك الجدار ، أو ما عرف أحد منهما ذلك؟ فإن كان الأول امتنع أن يتركوا سقوط ذلك الجدار ، وإن كان الثاني فكيف
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٦ / ١٤٧ ، الدر المصون ٤ / ٤٧٩.
(٢) في أ: أعظم.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٧٧.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٧٧.
(٦) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٧٧.