أحدهما : أن يكون الفاعل ضميرا عائدا على الله ـ تعالى ـ أي : لا يهدي الله من يضله ؛ ف «من» مفعول «يهدي» ؛ ويؤيده قراءة أبي : «فإنّ الله لا هادي لمن يضلّ ولمن أضلّ» وأنه في معنى قوله : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) [الأعراف : ١٨٦].
والثاني : أن يكون الموصول هو الفاعل ، أي : لا يهدي المضلين ، و«يهدي» يجيء في معنى يهتدي ، يقال : هداه فهدى ، أي : اهتدى.
ويؤيد هذا الوجه : قراءة عبد الله «يهدّي» بتشديد الدال المكسورة ، والأصل يهتدي ؛ فأدغم.
ونقل بعضهم في هذه القراءة كسر الهاء على الإتباع ، وتحقيقه ما تقدم في يونس ، والعائد على «من» محذوف ، أي : الذي يضله الله.
والباقون «لا يهدي» بضمّ الياء ، وفتح الدال ، مبنيّا للمفعول ، و«من» قائم مقام فاعله ، وعائده محذوف أيضا.
وجوّز أبو البقاء : أن تكون «من» مبتدأ ، و (لا يَهْدِي) خبره ـ يعني ـ تقدم عليه.
وهذا خطأ ؛ لأنه متى كان الخبر فعلا رافعا لضمير مستتر وجب تأخيره نحو : «زيد لا يضرب» ، ولو قدمت لالتبس بالفاعل.
وقرىء «لا يهدي» بضم الياء وكسر الدال.
قال ابن عطية (١) ـ رحمهالله ـ : «وهي ضعيفة».
قال ابن حيّان (٢) : «وإذا ثبت أن «هدى» لازم بمعنى اهتدى ، لم تكن ضعيفة ؛ لأنه أدخل همزة التعدية على اللازم ، فالمعنى لا يجعل مهتديا من أضله الله».
وقوله تعالى : (وَما لَهُمْ) حمل على معنى «من» فلذلك جمع.
وقرىء (٣) : «من يضلّ» بفتح الياء من «ضلّ» أي : لا يهدي من ضل بنفسه (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ، أي : [ما يقيهم](٤) من العذاب.
قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٩٢.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٧٦.
(٣) ينظر : البحر ٥ / ٤٧٦ ، والدر المصون ٤ / ٣٢٦.
(٤) في أ: مانعين.