فصل
اعلم أنّه قال : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) وقال : (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ) ، وقال : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) فاختلفت الإضافة في هذه الإرادات الثلاثة ، وهي كلها قضيّة واحدة ، وفائدة ذلك أنّه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه ، فقال : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) ولمّا ذكر القتل ، عبّر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيها على أنّه من العظماء في علوم الحكمة ، فلم يقدم على هذا القتل إلّا لحكمة عالية ، ولمّا ذكر رعاية صالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله تعالى ، لأنّ المتكفّل بمصالح الأبناء برعاية حقّ الآباء ليس إلّا الله تعالى.
فصل
اختلفوا : هل الخضر حيّ أم لا؟ فقيل : إنّ الخضر وإلياس حيّان يلتقيان كلّ سنة بالموسم ، قيل : وسبب حياته أنّ ذا القرنين دخل الظلمات ، لطلب عين الحياة ، وكان الخضر على مقدّمته ، فوقع الخضر على عين الحياة ، فنزل ، واغتسل ، وشرب ، وقيل : وأخطأ ذو القرنين الطريق ، فعاد.
وقيل : إنه ميت ، لقول الله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) [الأنبياء : ٣٤] وقال عليه الصلاة والسلام بعد ما صلى العشاء ليلة : «أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى ممّن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» (١) ولو كان الخضر حيّا ، لكان لا يعيش بعده.
روي أنّ موسى لمّا أراد أن يفارقه قال : أوصني ، قال : لا تطلب العلم لتحدّث به ، واطلبه لتعمل به.
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى
__________________
(١) أخرجه البخاري (٢٧٨) كتاب مواقيت الصلاة : باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء حديث (٦٠١) ومسلم (٤ / ١٩٦٥) كتاب فضائل الصحابة حديث (٢١٧ / ٢٥٣٧) من حديث ابن عمر.