عن أبي ذرّ قال : كنت رديف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على جمل ، فرأى الشمس حين غابت ، فقال : أتدري يا أبا ذرّ ، أتدري أين تغرب هذه؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : «فإنّها تغرب في عين حامية» وهي قراءة ابن مسعود ، وطلحة ، وابن عمر ، واختارها أبو عبيدة ، قال : لأنّ عليها جماعة من الصحابة.
وأما القراءة الثانية ، فهي من الحمأة ، وهي الطّين ، وهي قراءة ابن عبّاس.
فصل
ثبت بالدّليل أنّ الأرض كرة ، وأنّ السماء محيطة ، وأنّ الشمس في الفلك الرابع ، وكيف يعقل دخولها في عين؟ وأيضا قال : «وجد عندها قوما» ومعلوم أن جلوس القوم قرب الشّمس غير موجود ، وأيضا فالشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة ، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض؟ وإذا ثبت هذا فنقول : تأويل قوله تعالى : (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) من وجوه :
الأول : أنّ ذا القرنين لما بلغ موضعا من المغرب ، لم يبق بعده شيء من العمارات ، وجد الشّمس كأنّها تغرب في عين مظلمة ، وإن لم يكن كذلك في الحقيقة كما أنّ راكب البحر يرى الشمس كأنّها تغيب في البحر إذا لم ير الشطّ ، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر ، ذكر هذا التأويل الجبائيّ في تفسيره.
الثاني : أنّ للجانب الغربيّ من الأرض مساكن يحيط البحر بها ، فالناظر إلى الشّمس يتخيل كأنّها تغيب في تلك البحار ، ولا شكّ أنّ البحار الغربية قوية السخونة ، فهي حامية ، وهي أيضا حمئة لكثرة ما فيها من الماء ومن الحمأة السّوداء ، فقوله : (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) إشارة إلى أن الجانب الغربي من الأرض قد أحاط البحر به ، وهو موضع شديد السخونة ، قال أهل الأخبار : إنّ الشّمس تغيب في عين كثيرة الماء والحمأة ، وهذا في غاية البعد ؛ وذلك لأنّا إذا رصدنا كسوفا قمريّا ، فإذا اعتبرناه ، ورأينا أنّ المغربيين قالوا : حصل هذا الكسوف في أوّل الليل ، ورأينا المشرقيين ، قالوا : حصل في أوّل النّهار علمنا أن أول الليل عند أهل المغرب هو أول النهار الثاني عند أهل المشرق ، بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا هو وقت العصر في بلد ، ووقت الظّهر في بلد آخر ، ووقت الضّحوة في بلد ثالث ، ووقت طلوع الشمس في بلد رابع ، ونصف الليل في بلد خامس ، وإذا كانت هذه الأحوال معلومة بالاستقراء والأخبار وعلمنا أن الشمس طالعة ظاهرة في كل هذه الأوقات كان الذي يقال : إنّها تغيب في الطين والحمأة كلاما على خلاف اليقين ؛ وكلام الله تعالى مبرّأ عن هذه التهمة ، فلم يبق إلّا أن يصار إلى التّأويل المذكور.
ثم قال : (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) أي : عند العين أمة ، وقيل : الضمير [عائد] إلى الشمس.