قال ابن جريج : مدينة لها اثنا عشر ألف باب ، لولا ضجيج أهلها لسمعت وجبة الشمس حين تجب.
قوله : (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) يدل على أنه تعالى كلمه من غير واسطة ، وذلك يدل على أنه كان نبيّا ، فإن قيل : خوطب على ألسنة بعض الأنبياء ، فهو عدول عن الظاهر.
وقال بعضهم : المراد منه الإلهام.
قوله : (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ).
يجوز فيه الرفع على الابتداء ، والخبر محذوف ، أي : إمّا تعذيبك واقع ، والرفع على خبر مضمر ، أي : هو تعذيبك ، والنصب أي : إمّا أن تفعل أن تعذّب.
وهذا يدلّ على أنّ سكّان آخر المغرب ، كانوا كفارا ، فخيّر الله ذا القرنين فيهم بين التعذيب ، إن أقاموا على الكفر ، وبين المنّ عليهم ، والعفو عنهم ، وهذا التخيير على معنى الاجتهاد في أصلح الأمرين ، كما خيّر نبيه ـ محمدا عليه الصلاة والسلام ـ بين المنّ على المشركين ، وبين قتلهم.
وقال الأكثرون : هذا التعذيب هو القتل ، وأمّا اتّخاذ الحسنى فيهم ، فهو تركهم أحياء.
ثم قال ذو القرنين : (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) أي : ظلم نفسه ؛ بمعنى «كفر» لأنّه ذكر في مقابلته : (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ) ثم قال : (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) أي بقتله (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ) في الآخرة (عَذاباً نُكْراً) أي : منكرا فظيعا. وهو النار ، والنار أنكر من القتل.
قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً).
(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) الآية.
قوله : (جَزاءً الْحُسْنى) قرأ (١) الأخوان ، وحفص بنصب «جزاء» وتنوينه ، والباقون برفعه مضافا ، فالنصب على المصدر المؤكّد لمضون الجملة ، أو بنصب بمضمر ، أو مؤكد لعامل من لفظه مقدّر ، أي : يجزي جزاء ، وتكون الجملة معترضة بين المبتدأ وخبره المقدّم عليه ، وقد يعترض على الأول : بأنّ المصدر المؤكّد لمضمون جملة لا يتقدّم عليها ، فكذا لا يتوسّط ، وفيه نظر يحتمل الجواز والمنع ، وهو إلى الجواز أقرب.
الثالث : أنه في موضع الحال.
الرابع : نصبه على التفسير ، قاله الفراء (٢) ؛ يعني التمييز ، وهو بعيد.
وقرأ (٣) ابن عباس ، ومسروق بالنصب والإضافة ، وفيها تخريجان :
__________________
(١) ينظر : السبعة ٣٩٨ ، والنشر ٢ / ٣١٥ ، والتيسير ١٤٥ ، والحجة ٤٣٠ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٧٠ ، وإعراب القراءات ١ / ٤١٦ ، والقرطبي ١١ / ٣٦ ، والبحر ٦ / ١٥٢.
(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٥٩.
(٣) ينظر : البحر ٦ / ١٥٢ ، والدر المصون ٤ / ٤٨٠.