فصل
حذفت تاء «استطاعوا» للخفّة ؛ لأنّ التاء قريبة المخرج من الطّاء ، ومعنى «يظهروه» أي : يعلونه من فوق ظهره ؛ لطوله ، وملاسته ، وصلابته ، وثخانته ، ثم قال ذو القرنين : «هذا» إشارة إلى السدّ «رحمة» أي : نعمة من الله ، ورحمة على عباده (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) أي: القيامة.
وقيل : وقت خروجهم (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) أي : جعل السدّ مدكوكا مستويا ، مع وجه الأرض.
قوله : (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) : الظاهر أنّ «الجعل» هنا بمعنى «التّصيير» فتكون «دكّاء» مفعولا ثانيا ، وجوّز ابن عطيّة : أن يكون حالا ، و«جعل» بمعنى «خلق» وفيه بعد ؛ لأنه إذ ذاك موجود ، وتقدّم خلاف القراء في «دكّاء» في الأعراف.
قوله : (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) الوعد هنا مصدر بمعنى «الموعود» أو على بابه.
فصل فيما روي عن يأجوج ومأجوج
روى قتادة (١) ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، يرفعه : أنّ يأجوج ومأجوج يحفرونه كلّ يوم ، حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس ، قال الذي عليهم : ارجعوا ؛ فستحفرونه غدا ، فيعيده الله كما كان ، حتّى إذا بلغت مدّتهم ، حفروا ؛ حتّى كادوا يرون شعاع الشّمس ، قال الذي عليهم : ارجعوا ، فستحفرونه ، إن شاء الله تعالى غدا ، واستثنى ، فيعودون إليه ، وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه ، فيخرجون على النّاس [فيشربون](٢) المياه ، ويتحصّن النّاس في حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السّماء ، فترجع فيها كهيئة الدّم ، فيقولون : قهرنا أهل الأرض ، وعلونا أهل السّماء ، فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم ، فيهلكون ، وإنّ دوابّ الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم(٣).
وعن النّواس بن سمعان ، قال : ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الدّجّال ذات غداة ، فخفّض فيه ورفّع حتّى ظننّاه في طائفة النّخل ، فلمّا رحنا إليه ، عرف ذلك فينا ، فقال : ما شأنكم؟ قلنا : يا رسول الله ، ذكرت الدّجال الغداة ، فخفّضت ، ورفّعت ؛ حتّى ظننّاه في طائفة النّخل ؛ فقال : غير الدّجال أخوفني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم ، فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ، ولست فيكم ، فكلّ امرىء حجيج نفسه ، والله خليفتي على كلّ مسلم ؛ إنّه شابّ قطط ، عينه طافية ؛ كأنّي أشبّهه بعبد العزّى بن قطن ، فمن أدركه منكم ، فليقرأ عليه
__________________
(١) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٨٣.
(٢) في ب : فيستقون.
(٣) أخرجه أحمد (٢ / ٥١٠ ـ ٥١١) وابن ماجه (٤٠٨٠) والترمذي (٣١٥١) وابن حبان (١٩٠٨ ـ موارد) والحاكم (٤ / ٤٨٨) وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب إنّما نعرفه من هذا الوجه مثل هذا.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.