«وزنا» على أحد وجهين : إمّا على الحال ، وإمّا على التّمييز.
فصل في معنى الآية
المعنى : أنّا نزدري بهم ، وليس لهم عندنا وزن ومقدار ، تقول العرب : ما لفلان عندي وزن ، أي : قدر ؛ لخسّته ، وروى أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّه ليأتي يوم القيامة الرّجل العظيم السّمين ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة» وقال : «اقرءوا : فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا».
وقيل : المعنى : فلا نقيم لهم يوم القيامة ميزانا ؛ لأنّ الميزان إنما يوضع ؛ لأجل الحسنات والسّيئات من الموحّدين ؛ لتمييز مقدار الطّاعات ، ومقدار السّيئات.
قال أبو سعيد الخدريّ (١) : يأتي ناس بأعمال يوم القيامة من عندهم في التّعظيم كجبال تهامة ، فإذا وزنوها ، لم تزن شيئا ، فذلك قوله : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً).
وقال القاضي (٢) : إنّ من غلبت معاصيه ، صارت طاعاته (٣) كأن لم تكن ، فلم يدخل في الوزن شيء من طاعته ، وهذا التفسير بناه على قول الإحباط والتكفير.
قوله : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ) : فيه أوجه كثيرة :
الأول : أن يكون «ذلك» خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك والمعنى : الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وخسّة أقدارهم و (جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ) جملة برأسها.
الثاني : أن يكون «ذلك» مبتدأ أوّل ، و«جزاؤهم» مبتدأ ثان ، و«جهنّم» خبره ، وهو [وخبره] خبر الأول ، والعائد محذوف ، أي : جزاؤهم به ، كذا قال أبو البقاء (٤) ، فالهاء في «به» تعود على «ذلك» و«ذلك» مشار به إلى عدم إقامة الوزن.
قال أبو حيّان : «ويحتاج هذا التّوجيه إلى نظر» قال شهاب الدين : إن عنى النّظر من حيث الصّناعة ، فمسلّم ، ووجه النظر : أن العائد حذف من غير مسوّغ إلّا بتكلف ؛ فإنّ العائد على المبتدأ ، إذا كان مجرورا ، لا يحذف إلّا إذا جر بحرف تبعيض ، أو ظرفية ، أو يجرّ عائدا جرّ قبله بحرف ، جرّ به المحذوف ؛ كقوله : [الطويل]
٣٥٧١ ـ أصخ فالّذي تدعى به أنت مفلح |
|
........... (٥) |
أي : مفلح به ، وإن عنى من حيث المعنى ، فهو معنى جيد.
الثالث : أن يكون «ذلك» مبتدأ ، و«جزاؤهم» بدل ، أو بيان ، و«جهنّم» خبره.
__________________
(١) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٨٦.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٤٨.
(٣) في ب : ما فعله من الطاعات.
(٤) ينظر : الإملاء ٢ / ١٠٩.
(٥) ينظر البيت في روح المعاني ١٦ / ٤٥ ، حاشية الشهاب ٦ / ١٣٦ ، الدر المصون ٤ / ٤٨٦.