وقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) أي أنهم كانوا مظلومين في أيدي الكفار.
قوله «حسنة» فيها أوجه :
أحدها : أنها نعت لمصدر محذوف ، أي : تبوئة حسنة.
الثاني : أنها منصوبة على المصدر الملاقي لعامله في المعنى ؛ لأنّ معنى «لنبوّئنهم» لنحسنن إليهم.
الثالث : أنها مفعول ثان ؛ لأن الفعل قبلها مضمن لمعنى لنعطينهم ، و«حسنة» صفة لموصوف محذوف ، أي : دارا حسنة ؛ وفي تفسير الحسن : دار حسنة وهي المدينة على ساكنها ـ أفضل الصلاة والسلام ـ.
وقيل : تقديره : منزلة حسنة ، وهي الغلبة على أهل المشرق.
وقيل : حسنة بنفسها هي المفعول من غير حذف موصوف.
وقرأ أمير المؤمنين (١) ، وابن مسعود ، ونعيم بن ميسرة : «لنثوينّهم» بالثاء المثلثة والياء ، مضارع أثوى المنقول بهمزة التعدية من «ثوى بالمكان» أقام فيه وسيأتي أنّه قرىء بذلك في السبع في العنكبوت ، و«حسنة» على ما تقدم.
ويريد أنه يجوز أن يكون على نزع الخافض أي «في حسنة» والموصول مبتدأ ، والجملة من القسم المحذوف وجوابه خبره ، وفيه ردّ على ثعلب ؛ حيث منع وقوع جملة القسم خبرا.
وجوّز أبو البقاء في : «الّذين» النصب على الاشتغال بفعل مضمر ، أي : لنبوأنّ الذين.
ورده أبو حيان : بأنه لا يجوز أن يفسر عاملا ، إلا ما جاز أن يعمل ، وإن قلت «زيدا لأضربنّ» لم يجز ، فكذا لا يجوز «زيدا لأضربنّه».
قوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) يجوز فيه أن يعود الضمير على الكفار ، أي : لو كانوا يعلمون ذلك لرجعوا مسلمين.
أو على المؤمنين ، أي : لاجتهدوا في الهجرة والإحسان كما فعل غيرهم.
فصل : الإحسان عند الإعطاء
روي أنّ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول : خذه بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدّنيا وما ادّخر لك في الآخرة أفضل ، ثم تلا هذه الآية (٢).
__________________
(١) ينظر : المحتسب ٢ / ٩٠١ والبحر ٥ / ٤٧٧ ، والمحرر ٨ / ٤٢١ والدر المصون ٤ / ٣٢٧.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٨٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢١) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وذكره البغوي أيضا في «تفسيره» (٣ / ٦٩).