السادس : أن الجارّ متعلق بمحذوف ؛ على أنّه حال من القائم مقام الفاعل ، وهو «إليهم» ذكرهما أبو البقاء. وهما ضعيفان جدّا.
السابع : أن يتعلّق ب (لا تَعْلَمُونَ) على أنّ الشرط في معنى : التبكيت والإلزام ؛ كقول الأجير : إن كنت عملت لك فأعطني حقّي.
قال الزمخشريّ (١) : وقوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) اعتراض على الوجوه المتقدمة ، ويعني بقوله : «فاسئلوا» الجزاء وشرطه ، وأما على الوجه الأخير ، فعدم الاعتراض واضح.
الثامن : أنه متعلق بمحذوف جوابا لسؤال مقدر ؛ كأنه قيل : بم أرسلوا؟ فقيل : أرسلوا بالبينات ، والزّبر ، كذا قدره الزمخشري. وهو أحسن من تقدير أبي البقاء : بعثوا لموافقته للدالّ عليه لفظا ومعنى.
فصل في تأويل «إلا»
قال البغوي (٢) ـ رحمهالله ـ : «إلّا» بمعنى «غير» ، أي : وما أرسلنا قبلك بالبينات ، والزبر ، غير رجال يوحى إليهم ، ولو لم نبعث إليهم ملائكة.
وقيل : تأويله : وما أرسلنا من قبلك إلّا رجالا يوحى إليهم بالبينات والزبر ، والبينات والزبر : كل ما يتكامل به الرسالة ؛ لأن مدارها على المعجزات الدالة على صدق مدعي الرسالة ، وهي البينات على التكاليف ، التي يبلغها الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى العباد ، وهي الزبر.
ثم قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) أراد بالذكر الوحي وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ مبينا للوحي ، وبيان الكتاب يطلب من السنة. انتهى.
فصل القرآن ليس كله مجملا بل منه المجمل والمبين
ظاهر هذه الآية يقتضي أن هذا الذكر مفتقر إلى بيان رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمفتقر إلى [البيان](٣) مجمل ، فهذا النص يقتضي أنّ هذا القرآن كله مجمل ؛ فلهذا قال بعضهم : متى وقع التعارض بين القرآن والخبر وجب تقديم الخبر ؛ لأن القرآن مجمل بنص هذه الآية ، والخبر مبين لهذه الآية ، والمبين مقدم على المجمل. وأجيب : بأن القرآن منه محكم ، ومنه متشابه ، والمحكم يجب كونه مبينا ؛ فثبت أن القرآن كله ليس مجملا ، بل فيه المجمل.
فقوله : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) محمول على تلك المجملات.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٦٠٨.
(٢) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ٧٠.
(٣) في ب : السنة.