فصل هل الرسول مبين لكل ما أنزل الله
ظاهر هذه الآية يقتضي أن يكون الرسول صلىاللهعليهوسلم هو المبين لكلّ ما أنزل الله على المكلفين ، وعند هذا قال نفاة القياس : لو كان القياس حجة ، لما وجب على الرسول بيان كلّ ما أنزل الله تعالى على المكلفين من الأحكام ؛ لاحتمال أن يبين المكلف ذلك الحكم بطريق القياس ، ولما دلت هذه الآية على أنّ المبين للتكاليف ، والأحكام ؛ هو الرسول ، علمنا أنّ القياس ليس بحجة.
وأجيب عنه : بأنّه صلىاللهعليهوسلم لما بين أنّ القياس حجة فمن رجع في تبيين الأحكام والتكاليف إلى القياس ؛ كان ذلك في الحقيقة رجوعا إلى بيان الرسول صلىاللهعليهوسلم. قالوا : لو كان البيان بالقياس من بيان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما وقع فيه اختلاف.
قوله تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) الآية في «السّيئات» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها نعت لمصدر محذوف ، أي : المكرات السيئات.
الثاني : أنه مفعول به على تضمين : «مكروا» عملوا وفعلوا ، وعلى هذين الوجهين ، فقوله (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) مفعول ب «أمن».
الثالث : أنه منصوب ب «أمن» ، أي : أمنوا العقوبات السيئات ، وعلى هذا فقوله (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ) بدل من «السّيّئات».
والمكر في اللغة : هو السعي بالفساد خفية ، ولا بد هنا من إضمار ، تقديره المكرات السيئات ، والمراد أهل مكة ، ومن حول المدينة.
قال الكلبيّ : المراد بهذا المكر : اشتغالهم بعبادة غير الله ـ تعالى (١) ـ والأقرب أن المراد سعيهم في إيذاء الرسول ، وأصحابه على سبيل الخفية ، أي : يخسف الله بهم الأرض ؛ كما خسف بالقرون الماضية.
قوله : (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) أي : يأتيهم العذاب من السماء من حيث يفجؤهم ؛ فيهلكهم بغتة ؛ كما فعل بالقرون الماضية.
(أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) أي : أسفارهم (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) [آل عمران : ١٩٦].
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : في اختلافهم (٢). وقال ابن جريج : في إقبالهم ، وإدبارهم (٣).
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٣٢).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٩٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢٣) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
وينظر : تفسير الماوردي (٣ / ١٩٠) والبغوي (٣ / ٧٠).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٩٠) وذكره الماوردي (٣ / ١٩٠) والبغوي (٣ / ٧٠).