والباء في قوله «بالرّوح» بمعنى «مع» كقولهم : «خرج فلان بثيابه» أي : ومعه ثيابه.
والمعنى : ننزّل الملائكة مع الروح ؛ وهو جبريل ، وتقرير هذا الوجه : أنّه ـ تعالى ـ ما أنزل على محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ جبريل وحده في أكثر الأحوال ؛ بل كان ينزّل مع جبريل ـ عليهالسلام ـ أقواما من الملائكة ؛ كما في يوم بدر ، وفي كثير من الغزوات ، وكان ينزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم تارة ملك الجبال ، وتارة ملك البحار ، وتارة رضوان ، وتارة غيرهم.
وقوله (مِنْ أَمْرِهِ) أي أنّ ذلك النّزول لا يكون إلا بأمر الله ؛ كقوله : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) [مريم : ٦٤] وقوله تعالى : (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧] ، وقوله : (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦].
وقوله : (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يريد الأنبياء المخصوصين برسالته : (أَنْ أَنْذِرُوا) قال الزجاج : «أن» بدل من «الرّوح».
والمعنى : ينزّل الملائكة بأن أنذروا ، أي : أعلموا الخلائق ، أنّه لا إله إلا أنا ، والإنذار هو الإعلام مع التخويف.
«فاتّقون» فخافون. يروى أن جبريل ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ نزل على آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ اثنتي عشرة مرة ، وعلى إدريس أربع مرات ، وعلى نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ خمسين مرّة ، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة وعلى موسى أربع مرات ، وعلى عيسى عشر مرات ، وعلى محمد صلىاللهعليهوسلم وعلى سائر الأنبياء أربعة وعشرين ألف مرّة.
قوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)(٩)
قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى) ارتفع (عَمَّا يُشْرِكُونَ) اعلم أنّ دلائل الإلهيات وقعت في القرآن على نوعين :
أحدهما : أن يتمسّك بالأظهر مترقيا إلى الأخفى ، فالأخفى كما ذكره في سورة البقرة في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) [البقرة : ٢١] فجعل تغير أحوال الإنسان دليلا على احتياجه إلى الخالق.
ثم استدل بتغير أحوال الآباء ، والأمهات ؛ قال تعالى : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة: ٢١].