فهذه الخنساء حين يقتل أخوها صخر فى الجاهلية أثناء نشوب المعارك بين القبائل تبكى كثيرا وتكاد أن تنتحر ، وتردد قائلة : لو لا كثرة الباكين حولى على إخوانهم لقتلت نفسى ، إنها فى جاهليتها لا تجد وعدا بلقائه ، ولكن حين أسلمت جاءها خبر استشهاد أولادها الأربعة فى معركة القادسية ، فتقول بكل ثبات وثقة وإيمان فى وعد الله الحق" الحمد لله الذى شرفنى بقتلهم وأدعو الله أن يجمعنى بهم فى مستقر رحمته ... ، وتلك المرأة التى يتردد حولها أثناء غزوة أحد ، إشاعة أن النبى صلىاللهعليهوسلم قد قتل ، فتهرول نحو الصحابة وهم عائدون من الغزوة ، وتسألهم عن أنباء المعركة ، فينعون إليها زوجها وأباها وأخاها وإذا بها لا تعبأ بهذا الخبر ، وتسألهم فى لهفة عن خبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقولون لها : خيرا ... ، هو بحمد الله كما تحبين". فتقول : أرونيه أنظر إليه. فلما رأته أقبلت نحوه قائلة : كل مصيبة بعدك أمرها يهون يا رسول الله (١) ... ، وهذا الأعرابى الذى فهم قوله تعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (٢) ، فيذهب للنبى صلىاللهعليهوسلم ويبايعه على الإسلام ثم يشارك فى غزوات المسلمين ، وفى إحدى الغزوات التى انتصر فيها المسلمون يوزع النبى صلىاللهعليهوسلم الغنائم ، ويأتى دوره ، فيرفض أن يأخذ شيئا ويقول : يا رسول الله ، ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أضرب هاهنا بسهم فأموت فأدخل الجنة" ... ، إنهم مؤمنون حقا صدقوا الله فصدقهم الله ، يقول تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).
٢٢ ـ الكون ومعجزات الله كونية وتشريعية
إن الكون ملئ بآيات الله ومعجزاته ، ومن يتأمل يرى الكثير من تلك الآيات فالطيور تهاجر فى الشتاء آلاف الأميال وتعود إلى نفس المكان ... ، ومنها ما يعيش فى المناطق القطبية الباردة ، ومنها ما يعيش فى المناطق شديدة الحرارة ، ومنها ما
__________________
(١) انظر البداية والنهاية ـ لابن كثير.
(٢) سورة التوبة الآية ١١١.