كذلك نجد المناظرة التامة بين قوله تعالى (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١) وقوله تعالى (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) (٢).
ففي الصورة الأولى يطلب الشيطان من الله تعالى أن يمهله حتى يتمكن من إغواء البشر ، وأما الصورة الثانية المناظرة لها تماما يحذرنا الله تعالى من غوايته وفتنته التى كانت سببا فى خروج أبوينا من الجنة ، ويريد الله تعالى أن يبين لنا من خلال تلك الصور أن المعصية هى سبب الخروج من الجنة وأن أول معصية لأبوينا أظهرت سوآتهم وكذلك فكل معصية أو مخالفة تظهر سوأة فى الإنسان الذى نهاه الله تعالى عن الشرك وعقوق الوالدين وقطع الأرحام والزنا فكل نهى بمثابة شجرة كشجرة أبوينا التى تم اختبارهم بها فى البداية ... ، وكأن الشجرة فى الاختبار الأول كانت تعبيرا عن نهى واحد وكانت النتيجة هى العصيان الذى كان سببه اتباع الشيطان ... ، وإذا نظرنا إلى التناظر فى الآيات السابقة نجد أن كل منها يتكون من ٧٢ حرفا ، ومن ذلك نجد الترابط اللغوى والحسابى بين الآيات المتناظرة ، ولأن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المترابط الموزون حرفا وكلمة فإنه يجب عند تفسير الآية العلمية أو الكونية أن ينظر لها بعمق لغوى مع اعتبار أن الآيات المختلفة فى الأمر الواحد تتكامل فى النهاية لتفسير هذا الأمر ، فمثلا خلق السماوات والأرض والنفس لم يشهدهم أحد سوى الله تعالى ونحن نعلم من خلال الاكتشافات العلمية أن الزمن مسألة نسبية بمعنى أنه يختلف من مكان إلى آخر ، فاليوم عندنا على الأرض هو ٢٤ ساعة نتيجة لدوران الأرض حول نفسها دورة كاملة ، وهناك كواكب أخرى اليوم فيها يصل إلى ٧٢ ساعة وهناك كواكب أخرى يزيد اليوم فيها أكثر من
__________________
(١) سورة الأعراف الآيات من ١٤ ـ ١٦.
(٢) سورة الأعراف الآية ٢٧.