إلى الفعل لما أنّه كمال ثان معلول لها. ثمّ تتبع الشوق الإرادة ، وهي وإن كانت لا تعبير عنها يفيد تصوّر حقيقتها لكن يشهد لوجودها بعد الشوق ما نجده ممّن يريد الفعل وهو عاجز عنه ، ولا يعلم بعجزه ، فلا يستطيع الفعل وقد أراده. ثمّ تتبع الإرادة القوّة العاملة المحرّكة للعضلات ، فتحرّك العضلات (١) ، وهو (٢) الفعل.
فمبادئ الفعل الإراديّ فينا هي : العلم والشوق والإرادة والقوّة العاملة المحرّكة. هذا ما نجده من أنفسنا في أفعالنا الإراديّة. وإمعان النظر في حال سائر الحيوان يعطي أنّها كالإنسان في أفعالها الإراديّة.
فظهر بذلك :
أوّلا : أنّ المبدأ الفاعليّ لأفعال الإنسان الإراديّة ـ بما أنّها كمالاته الثانية ـ (٣) هو الإنسان بما أنّه فاعل علميّ ، والعلم متمّم لفاعليّته ، يميّز به (٤) الكمال من غيره (٥). ويتبعه الشوق من غير توقّف على شوق آخر أو إرادة. وتتبعه الإرادة بالضرورة (٦) من غير توقّف على إرادة اخرى ، وإلّا لتسلسلت الإرادات. فعدّ الإرادة علّة فاعليّة للفعل (٧) في غير محلّه. وإنّما الإرادة والشوق الّذي قبلها من لوازم العلم المتمّم لفاعليّة الفاعل.
وثانيا : أنّ أفعال الإنسان ـ ممّا للعلم دخل في صدوره ـ لا تخلو من إرادة الفاعل حتّى الفعل الجبريّ ، وسيأتي في البحث عن أقسام الفاعل ما ينفع
__________________
(١) لا يخفى أنّ حركة العضل من الصفات القائمة بالعضل ، وإنّما يستتبع الإرادة فيما إذا كان الفعل المراد فعلا جارحيّا. وأمّا في الأفعال الجوانحيّة فلا يحتاج إلى حركة العضلات.
(٢) أي : تحرّك العضلات.
(٣) هذا هو الصحيح ، بخلاف ما في النسخ من قوله : «كمالاتها الثانية».
(٤) أي : يميّز الإنسان بالعلم. وفي النسخ : «يتميّز به». والصحيح ما أثبتناه.
(٥) فأوّل ما يحتاج الإنسان إليه في فعله الاختياريّ هو العلم.
(٦) أي : لا اختيار للإنسان فيها بعد حصول الشوق ، بل الإرادة من لوازم الشوق ، ولا تنفكّ عنه.
وفيه : أنّه ينافي ما ذكره من أنّ الإرادة غير الشوق المؤكّد ، وأنّ الإنسان قد يشتاق الى شيء ولا يريده.
(٧) كما قال الشيخ الرئيس في التعليقات : ١٦٤ : «والإرادة علّة للكائنات».