ولا أن ينسب الاشتراك والسنخيّة إلى جهة الوحدة.
الأمر الثاني : أنّ بين مراتب الوجود إطلاقا وتقييدا بقياس بعضها إلى بعض ، لمكان ما فيها من الاختلاف بالشدّة والضعف ونحو ذلك. وذلك أنّا إذا فرضنا مرتبتين من الوجود ضعيفة وشديدة ، وقع بينهما قياس وإضافة بالضرورة ، وكان من شأن المرتبة الضعيفة أنّها لا تشتمل على بعض ما للمرتبة الشديدة من الكمال ، لكن ليس شيء من الكمال الّذي في المرتبة الضعيفة إلّا والمرتبة الشديدة واجدة له. فالمرتبة الضعيفة كالمؤلّفة من وجدان وفقدان ، فذاتها مقيّدة بعدم بعض ما في المرتبة الشديدة من الكمال. وإن شئت فقل : «محدودة». وأمّا المرتبة الشديدة فذاتها مطلقة غير محدودة بالنسبة إلى المرتبة الضعيفة.
وإذا فرضنا مرتبة اخرى فوق الشديدة كانت نسبة الشديدة إلى هذه الّتي فرضنا فوقها كنسبة الّتي دونها إليها ، وصارت الشديدة محدودة بالنسبة إلى ما فوقها كما كانت مطلقة بالنسبة إلى ما دونها. وعلى هذا القياس في المراتب الذاهبة إلى فوق حتّى تقف في مرتبة ليست فوقها مرتبة ، فهي المطلقة من غير أن تكون محدودة إلّا بأنّها لا حدّ لها (١).
والأمر بالعكس ممّا ذكر إذا أخذنا مرتبة ضعيفة واعتبرناها مقيسة إلى ما هي أضعف منها ، وهكذا حتّى ننتهي إلى مرتبة من الكمال والفعليّة ليس لها من الفعليّة إلّا فعليّة أن لا فعليّة لها.
الأمر الثالث : تبيّن من جميع ما مرّ أنّ للمراتب المترتّبة من الوجود حدودا غير أعلى المراتب ، فإنّها محدودة بأنّها لا حدّ لها. وظاهر أنّ هذه الحدود الملازمة للسلوب والأعدام والفقدانات الّتي نثبتها في مراتب الوجود ، وهي أصيلة وبسيطة إنّما هي من ضيق التعبير ، وإلّا فالعدم نقيض الوجود ومن المستحيل أن يتخلّل في مراتب نقيضه.
__________________
(١) ولمّا كان الحدّ في معنى السلب كان نفي الحدّ سلبا للسلب وهو الإيجاب ، فيؤول إلى محوضة الوجود وهو الصرافة. (منه رحمهالله).