ما تقدّم (١).
وهذه البراهين غير كافية في نفي الأجزاء المقداريّة ـ كما قالوا (٢) ـ ، لأنّها أجزاء بالقوّة لا بالفعل ـ كما تقدّم في بحث الكمّ من مرحلة الجواهر والأعراض (٣) ـ.
وقد قيل (٤) في نفيها (٥) : «إنّه لو كان للواجب جزء مقداريّ فهو إمّا ممكن فيلزم أن يخالف الجزء المقداريّ كلّه في الحقيقة وهو محال ، وإمّا واجب فيلزم أن يكون الواجب بالذات غير موجود بالفعل بل بالقوّة وهو محال».
ثمّ إنّ من التركّب ما يتّصف به الشيء بهويّته الوجوديّة من السلوب ، وهو منفيّ عن الواجب بالذات تعالى وتقدّس.
بيان ذلك : أنّ كلّ هويّة صحّ أن يسلب عنها شيء بالنظر إلى حدّ وجودها ، فهي متحصّلة من إيجاب وسلب ، كالإنسان ـ مثلا ـ هو إنسان وليس بفرس في حاقّ وجوده ، وكلّ ما كان كذلك فهو مركّب من إيجاب هو ثبوت نفسه له وسلب هو نفي غيره عنه ، ضرورة مغايرة الحيثيّتين (٦). فكلّ هويّة يسلب عنها شيء فهي مركّبة.
__________________
(١) لأنّه لو كان جميع أجزاء الواجب تعالى أجزاء ممكنة ـ والكلّ متوقّفا في وجوده على أجزاء ـ يلزم منه أن يكون الواجب متوقّفا في وجوده على أجزائه الممكنة ، وهو ينافي كونه تعالى واجبا ، فإنّ الواجب مستغن عن غيره.
(٢) في فاعل قوله : «قالوا» وجهان : (أحدهما) أن يكون فاعله من أثبت الأجزاء المقداريّة للواجب تعالى ، وهو المشبّهة كما في الأسفار ٦ : ١٠١. (ثانيهما) أن يكون فاعله من قال بعدم كفاية البراهين المذكورة في نفي الأجزاء المقداريّة عن الواجب تعالى ، كما قال به صدر المتألّهين.
(٣) راجع الفصل التاسع من المرحلة السادسة.
(٤) والقائل هو صدر المتألّهين في الأسفار ٦ : ١٠١ ـ ١٠٢.
(٥) أي نفي الأجزاء المقداريّة عن الواجب.
(٦) فحيثيّة كون الإنسان انسانا ليست بعينها حيثيّة كونه ليس بفرس ، وإلّا لكان مفهوم «الإنسان» نفس مفهوم «ليس بفرس» ، وهو باطل ، ضرورة أنّه ليس ما يفهم من كلمة «الإنسان» ما يفهم من كلمة «ليس بفرس».