ما هو موجود غير الواجب بالذات من ذات أو صفة أو فعل فهو بإرادة الواجب بالذات من غير واسطة ، فالكلّ أفعاله ، وهو الفاعل ، لا غير (١).
ولازم ذلك أوّلا : ارتفاع العلّيّة والمعلوليّة من بين الأشياء وكون استتباع الأسباب للمسبّبات لمجرّد العادة ، أي إنّ عادة الله جرت على الإتيان بالمسبّبات عقيب الأسباب من غير تأثير من الأسباب في المسبّبات ولا توقّف من المسبّبات على الأسباب. وثانيا : كون الأفعال الّتي تعدّ أفعالا اختياريّة أفعالا جبريّة لا تأثير لإرادة فواعلها ولا لاختيارهم فيها.
فيدفعه : أنّ انتساب الفعل إلى الواجب تعالى بالإيجاد لا ينافي انتسابه إلى غيره من الوسائط ، والانتساب طوليّ لا عرضيّ ـ كما تقدّم توضيحه (٢) ـ. وحقيقة وساطة الوسائط ترجع إلى تقيّد وجود المسبّب بقيود مخصّصة لوجوده ، فإنّ ارتباط الموجودات بعضها ببعض عرضا وطولا يجعل الجميع واحدا يتقيّد بعض أجزائه ببعض في وجوده. فإفاضة واحد منها إنّما يتمّ بإفاضة الكلّ ، فليست الإفاضة إلّا واحدة ينال كلّ منها ما في وسعه أن يناله.
وأمّا إنكار العلّيّة والمعلوليّة بين الأشياء ، فيكفي في دفعه ما تقدّم في مرحلة العلّة والمعلول من البرهان على ذلك (٣). على أنّه لو لم يكن بين الأشياء شيء من رابطة التأثير والتأثّر وكان ما نجده منها (٤) بين الأشياء باطلا لا حقيقة له لم يكن لنا سبيل إلى إثبات فاعل لها وراءها وهو الواجب الفاعل للكلّ.
وأمّا القول بالجبر وإنكار الاختيار في الأفعال ، بتقريب أنّ فاعليّة الواجب بالذات وتعلّق إرادته بالفعل المسمّى إختياريّا يجعل الفعل واجب التحقّق
__________________
ـ والحسين بن محمّد النجّار كما في الفرق بين الفرق : ١٥٥ ، ومقالات الإسلاميّين ١ : ٣١٥.
(١) والحاصل : أنّهم قالوا : إنّ إرادة الله تعالى متعلّقة بكلّ ما يدخل في الوجود من الامور القائمة بالذات أو الصفات التابعة لها من أفعال العباد وإراداتهم وحركاتهم وطاعاتهم ومعاصيهم.
(٢) حيث قال : «وفاعليّة الواجب تعالى في طول فاعليّة الإنسان».
(٣) راجع الفصل الأوّل من المرحلة الثامنة.
(٤) أي : الرابطة.