الفصل الخامس عشر
في حياته تعالى
الحياة فيما عندنا ـ من أقسام الحيوان ـ كون الشيء بحيث يدرك ويفعل (١). والإدراك العامّ في الحيوان كلّه هو الإدراك الحسّيّ الزائد عن الذات ، والفعل فعل محدود عن علم به وإدراك. فالعلم والقدرة من لوازم الحياة وليسا بها ، لأنّا نجوّز
__________________
(١) قال المحقّق القوشجيّ : «واختلفوا في معنى الحياة. فقال جمهور المتكلّمين : إنّها صفة توجب صحّة العلم والقدرة. وقال الحكماء وأبو الحسين البصريّ من المعتزلة : إنّها كونه بحيث يصحّ أن يعلم ويقدر». شرح التجريد للقوشجيّ : ٣١٤.
وقال الحكيم السبزواريّ : «ثمّ الحياة قد تطلق ويراد بها الوجود ، ولذا كان أحد أسماء الوجود المطلق المنبسط هو الحياة السارية في كلّ شيء ، وبهذا الاعتبار كلّما هو موجود فهو حيّ ، فالجمادات حيّة وتسبيحها بهذا الاعتبار. وكثيرا مّا تطلق ويراد به ما يقتضي الدرك والفعل ، وأقلّ ما يعتبر في الدرك الشعور اللمسيّ ، وأقلّ ما يعتبر في الفعل الحركة الإراديّة ، وأعلاهما كما يكون في الواجب تعالى من العلم الحضوريّ بذاته على وجه يستتبع انكشاف ماعدا ذاته على ذاته انكشافا حضوريّا إجماليّا في عين الكشف التفصيليّ ، ومن القدرة التامّة ـ بل فوق التمام ـ الّتي هي عين علمه الفعليّ الخالي عن الغرض الزائد على ذاته ، لأنّه تعالى فاعل بالعناية كما عند الحكيم ، لا بالقصد كما يظنّه المتكلّم ـ. فبهذا الاعتبار فالحيوان ولو كالخراطين وما فوقه حيّة ، والجمادات ليست حيّة ، إذ ليست درّاكة فعّالة ولو على سبيل أقلّ ما يعتبر في الدرك والفعل. وهو تعالى حيّ بكلا المعنيين ، إذ له أعلى مراتب الوجود وله أعلى مراتب العلم والقدرة كما علمت». شرح الأسماء الحسنى : ٦٣٨.