الفصل التاسع عشر
في ترتيب أفعاله وهو نظام الخلقة
قد اتّضح بالأبحاث السابقة أنّ للوجود الإمكانيّ ـ وهو فعله تعالى ـ انقسامات. منها : انقسامه إلى مادّيّ ومجرّد ، وانقسام المجرّد إلى مجرّد عقليّ ومجرّد مثاليّ.
وأشرنا هناك (١) إلى أنّ عوالم الوجود الكلّيّة ثلاثة : عالم التجرّد التامّ العقليّ ، وعالم المثال ، وعالم المادّة والمادّيّات.
فالعالم العقليّ مجرّد تامّ ذاتا وفعلا عن المادّة وآثارها.
وعالم المثال مجرّد عن المادّة دون آثارها من الأشكال والأبعاد والأوضاع وغيرها. ففي هذا العالم (٢) أشباح متمثّلة في صفة الأجسام الّتي في عالم المادّة والطبيعة في نظام شبيه بنظامها الّذي في عالم المادّة. وإنّما الفرق بينه وبين النظام المادّيّ أنّ تعقّب بعض المثاليّات لبعض بالترتّب الوجوديّ ، لا بتغيّر صورة أو حال إلى صورة أو حال اخرى بالخروج من القوّة إلى الفعل بالحركة ، كما هو الحال في عالم المادّة. فحال الصور المثاليّة فيما ذكرناه من ترتّب بعضها على بعض حال صورة الحركة والتغيّر في الخيال ، والعلم مجرّد مطلقا ، فالمتخيّل من الحركة علم
__________________
(١) راجع الفصل السابع عشر من هذه المرحلة ، والفصل الثالث من المرحلة الحادية عشرة.
(٢) أي : في عالم المثال.