والإنسانيّة كانت الحركة ـ بما لها من الغاية الّتي هو التمام ـ مرادة له ، لكنّ الغاية هي المرادة لنفسها ، والحركه تتبعها ، لأنّها لأجل الغاية كما تقدّم (١). غير أنّ الفاعل العلميّ ربّما يتخيّل ما يلزم الغاية أو يقارنها غاية للحركة ، فيأخذه منتهى إليه للحركة ، ويوجد بينهما اتّحادا تخيّلا (٢) ، فيحرّك نحوه ، كمن يتحرّك إلى مكان ليلقى صديقه أو يمشي إلى مشرعة لشرب الماء ، وكمن يحضر السوق ليبيع ويشتري.
هذا كلّه فيما كان الفعل حركة عرضيّة طبيعيّة أو إراديّة. وأمّا إذا كان فعلا جوهريّا ـ كالأنواع الجوهريّة ـ فإن كان من الجواهر الّتي لها تعلّق ما بالمادّة فسيأتي إن شاء الله (٣) أنّها جميعا متحرّكة بحركة جوهريّة ، لها وجودات سيّالة تنتهي إلى وجودات ثابتة غير سيّالة تستقرّ عليها ، فلها تمام هو وجهتها الّتي تولّيها (٤) ، وهو مراد عللها الفاعلة المحرّكة لنفسه (٥) ، وحركاتها الجوهريّة مرادة لأجله. وإن كان الفعل من الجواهر المجرّدة ذاتا وفعلا عن المادّة ، فهو لمكان فعليّة وجوده وتنزّهه عن القوّة لا ينقسم إلى تمام ونقص كغيره ، بل هو تمام في نفسه ، مراد لنفسه ، مقصود لأجله ، والفعل والغاية هناك واحد ، بمعنى أنّ الفعل بحقيقته الّتي في مرتبة وجود الفاعل غاية لنفسه الّتي هي الرقيقة ، لا أنّ الفعل علّة غائيّة لنفسه متقدّمة على نفسه ، لاستحالة علّيّة الشيء لنفسه.
فقد تبيّن أنّ لكلّ فاعل غاية في فعله ، وهي العلّة الغائيّة للفعل ، وهو المطلوب (٦).
__________________
(١) في أوّل الفصل.
(٢) وفي النسخ : «ويوجد بينهما تخيّلا» والصحيح ما أثبتناه.
(٣) في الفصل الثامن من المرحلة التاسعة.
(٤) أي : هو موضعها الّذي تقصده. اقتباس من قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها). البقرة : ١٤٨.
(٥) أي : ذلك التمام هو مراد بالأصالة لعللها الفاعلة المحرّكة.
(٦) لا يخفى أنّ غاية الفعل ـ سواء كانت معناها الفائدة المقصودة من الفعل أو كانت معناها ـ