الأول : أنه تعالى لما قال (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ)(١) ثم إنه عظّم أمر القرآن ذكر هذه القصة إنجازا للوعد في قوله : (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ)(٢).
الثاني : أنه (٣) لما قال : (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً)(٤) أردفه (٥) بقصة آدم عليهالسلام (٦) كأنّه قال : إنّ طاعة بني آدم للشياطين ، وتركهم التحفظ من الوساوس أمر قديم ، فإنّا عهدنا إلى آدم من قبل ، أي : من قبل هؤلاء الذين صرّفنا لهم الوعيد ، (وبالغنا في تنبيهه) (٧) ، فقلنا له : (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ)(٨) ، ثم إنه مع ذلك نسي وترك ذلك العهد ، فأمر البشر في ترك التحفظ أمر قديم.
الثالث : أنه لمّا قال لمحمّد (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(٩) ذكر بعده قصة آدم ، فإنه عهد إليه وبالغ في تحذيره من العود ، فدل ذلك على ضعف البشرية عن التحفظ فيحتاج حينئذ إلى الاستعانة بربه (١٠) في أن يوفقه لتحصيل العلم ويجنبه عن السهو والنسيان.
الرابع : أن محمدا ـ عليهالسلام (١١) ـ لما قيل له : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)(١٢) دل على أنه كان في أمر الدين بحيث زاد (١٣) على قدر الواجب فلما وصفه بالإفراط ، وصف آدم بالتفريط في ذلك ، فإنه تساهل ولم يتحفظ حتى نسي ، فوصف الأول بالتفريط والآخر بالإفراط ، ليعلمه أن البشر لا ينفك عن نوع زلة.
الخامس : أن محمدا (١٤) لما قيل له : (وَلا تَعْجَلْ) ضاق قلبه ، وقال في نفسه : لو لا أني أقدمت (١٥) على ما لا ينبغي ، وإلا لما نهيت عنه (١٦) ، فقيل له : يا محمد إن كنت فعلت ما نهيت عنه فإنما (١٧) فعلته حرصا منك على العبادة ، وحفظا لأداء الوحي وإن أباك أقدم على ما لا ينبغي لتساهله ، وترك التحفظ فكان أمرك أحسن من أمره (١٨). والمراد بالعهد هنا أمر الله ، أي : أمرناه وأوصينا إليه أن لا يأكل من الشجرة من قبل هؤلاء الذين صرفنا لهم الوعيد في القرآن فتركوا الإيمان.
وقال ابن عباس : من قبل أن يأكل من (١٩) الشجرة عهدنا (٢٠) إليه أن لا يأكل
__________________
(١) [المائدة : ٩٩].
(٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(٣) أنه : سقط من ب.
(٤) [المائدة : ١١٣].
(٥) في الأصل : أخبر. وسقط من ب.
(٦) في ب : بقصة القوم أو بقصة آدم عليه الصلاة والسلام. وهو تحريف.
(٧) ما بين القوسين سقط من ب.
(٨) [المائدة : ١١٧].
(٩) من الآية : (١١٤).
(١٠) في ب : الاستغاثة لربه. وهو تحريف.
(١١) في ب : صلىاللهعليهوسلم.
(١٢) [المائدة : ١١٤].
(١٣) في ب : بحيث جاوز أعني زاد.
(١٤) في ب : أن محمدا عليه الصلاة والسلام.
(١٥) في ب : قدمت.
(١٦) عنه : سقط من ب.
(١٧) في ب : إنما.
(١٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٣ ـ ١٢٤.
(١٩) من : سقط من الأصل.
(٢٠) في ب : عهد.