مع المصدر محذوف (١). ويجوز أن يكون من حيث المعنى مضافا إلى ظاهر محذوف يشمل الموحى إليهم وغيرهم ، والتقدير : فعل المكلفين (٢) الخيرات. ويجوز أن يكون مضافا إلى ضمير الموحى إليهم أي : أن يفعلوا الخيرات ويقيموا الصلاة ويؤتوا (٣) الزكاة ، وإذا كانوا هم (٤) قد أوحي إليهم ذلك فأتباعهم جارون مجراهم في ذلك ، ولا يلزم اختصاصهم به. ثم اعتقاد بناء المصدر للمفعول مختلف فيه أجاز ذلك الأخفش ، والصحيح منعه (٥) ، فليس ما اختاره الزمخشري بمختار (٦). قال شهاب الدين : الذي يظهر أنّ الزمخشري لم يقدر هذا التقدير الذي ذكره الشيخ حتى يلزمه ما قاله بل إنما قدّر ذلك ، لأن نفس الفعل الذي هو معنى صادر من فاعله لا يوحى إنما يوحى ألفاظ تدل عليه فكأنه قيل : وأوحينا هذا اللفظ وهو أن نفعل الخيرات ، ثم صاغ ذلك الحرف المصدري مع ما بعده مصدرا منونا ناصبا لما بعده ، ثم جعله مصدرا مضافا لمفعوله (٧).
وقال ابن عطية : والإقام مصدر وفي هذا نظر (٨) انتهى ، يعني ابن عطية بالنظر أن مصدر (أفعل) على (الإفعال) ، فإن كان صحيح العين جاء (٩) تاما كالإكرام ، وإن كان معتلها حذف منه إحدى الألفين ، وعوض منه تاء التأنيث (١٠) فيقال : إقامة ، فلما (١١) نقل كذلك جاء فيه النظر المذكور.
قال أبو حيان : وأي نظر في هذا ، وقد نص سيبويه على أنه مصدر بمعنى الإقامة (١٢) وإن كان الأكثر الإقامة بالتاء ، وهو المقيس في مصدر (أفعل) إذا اعتلت عينه ،
__________________
(١) ذلك أنّ الفاعل يحذف مع المصدر المنون ، وأوجبه الفراء فقال : لا يجوز ذكر الفاعل مع المصدر المنون البتة لأنه لم يسمع. الهمع ٢ / ٩٤.
(٢) في ب : المكلف.
(٣) في ب : ويؤتون. وهو تحريف.
(٤) هم : سقط من ب.
(٥) وذلك أنّ في رفع المصدر النائب عن الفاعل خلافا ، ومذهب البصريين جوازه وقال الأخفش لا يجوز ذلك بل يتعين النصب أو الرفع على الفاعلية ، واختاره الشلوبين ، ووجه المنع في ذلك ما فيه من الإلباس ؛ لأنك إذا قلت مثلا : عجبت من ضرب عمرو. تبادر إلى الذهن المبني للفاعل. وقال أبو حيان يجوز إذا كان فعله ملازما للبناء للمجهول كزكم لعدم الإلباس حينئذ فيجوز أعجبني زكام زيد. وزاد الدماميني عن ابن خروف وهو الجواز إذا لم يقع لبس نحو أعجبني قراءة في الحمام القرآن ، وأكل الخبز وشرب الماء. انظر الهمع ٢ / ٩٤ ، شرح الأشموني وحاشية الصبان ٢ / ٢٨٣.
(٦) البحر المحيط ٦ / ٣٢٩.
(٧) الدر المصون : ٥ / ٥٤.
(٨) تفسير ابن عطية ١٠ / ١٧٣.
(٩) جاء : سقط من ب.
(١٠) اختلف في المحذوف أهو ألف المصدر أم الألف المبدلة من العين؟ فالخليل وسيبويه يذهبان إلى أن المحذوف الألف المبدلة من العين وهو القياس. انظر شرح المفصل ٦ / ٥٨.
(١١) في ب : فلما لم.
(١٢) قال سيبويه : هذا باب ما لحقته هاء التأنيث عوضا لما ذهب ، وذلك قولك : أقمته إقامة ، واستعنته استعانة ، وأريته إراءة ، وإن شئت لم تعوض وتركت الحروف على الأصل ، قال الله عزوجل : «لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ» [النور : ٣٧] الكتاب ٤ / ٨٣.