والثاني : أنّ (نصر) مطاوعه (انتصر) فتعدى تعدية ما طاوعه ، قال الزمخشري هو نصر الذي مطاوعه انتصر ، وسمعت هذليا يدعو على سارق اللهم انصرهم منه أي : اجعلهم منتصرين منه (١). ولم يظهر فرق بالنسبة إلى التضمين المذكور فإن معنى قوله : منتصرين منه أي : ممتنعين أو معصومين منه.
الثالث : أن «من» بمعنى «على» أي : على القوم (٢) ، (وقرأ أبي «ونصرناه على القوم») (٣)(٤). قال المبرد : تقديره : ونصرناه من مكروه القوم (٥).
قال تعالى : (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ)(٨). والمعنى منعناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا أن يصلوا إليه بسوء (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) لتكذيبهم (٦) له وردهم عليه (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) فخلصه منهم بذلك.
قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ)(٨٢)
قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ) الآية. تقدم الكلام على الإعراب (٧).
واعلم (٨) أنّ المقصود ذكر نعم الله على داود وسليمان ، فذكر أولا النعمة المشتركة بينهما ثم ذكر ما يخصّ كل واحد منهما من النعم. أما النعمة المشتركة فهي قصة الحكومة ، وهو أن الله زينهما بالعلم والفهم في قوله (٩) : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً)(١٠)(١١) قال أكثر المفسرين : المراد بالحرث الزرع (١٢). وقال ابن مسعود وابن عباس : كان الحرث كرما قد تدلت عناقيده (١٣). (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) أي رعته ليلا فأفسدته ؛
__________________
(١) الكشاف ٣ / ١٧.
(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٠.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٤.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٤.
(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥.
(٦) في ب : كتكذيبهم. وهو تحريف.
(٧) تقدم قريبا.
(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥.
(٩) في ب : و.
(١٠) الآية [٧٩] من السورة نفسها.
(١١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٥.
(١٣) انظر القرطبي ١١ / ٣٠٧.