وقال السّديّ : من وقع السلاح فيكم (١). ذكر الحسن أن لقمان الحكيم ـ صلوات الله عليه ـ حضر داود وهو يعمل الدرع ، فأراد أن يسأله عمّا يفعل ثم كف عن السؤال حتى فرغ منها ولبسها على نفسه ، فقال عند ذلك : الصمت حكمة وقليل فاعله (٢). ثم قال تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) يقول لداود وأهل بيته وقيل : يقول لأهل مكة ، فهل أنتم شاكرون نعمي بطاعة الرسول (٣).
قوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) العامة على النصب ، أي : وسخرنا الريح لسليمان ، فهي منصوبة بعامل مقدر (٤). وقرأ ابن هرمز وأبو بكر عن عاصم في رواية بالرفع على الابتداء ، والخبر الجار قبله (٥). وقرأ الحسن وأبو رجاء بالجمع والنصب. وأبو حيوة بالجمع والرفع (٦). وتقدم الكلام على الجمع والإفراد في البقرة (٧) ، وبعض هؤلاء قرأ في سبأ (٨) كذلك كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قوله : «عاصفة» حال ، والعامل فيها على قراءة من نصب «سخّرنا» المقدر ، وفي قراءة من رفع الاستقرار الذي تعلق به الخبر (٩). يقال : عصفت الرّيح تعصف عصفا وعصوفا ، فهي عاصف وعاصفة. وأسد تقول : أعصفت بالألف تعصف ، فهي (١٠) معصف ومعصفة (١١). والريح تذكر وتؤنث (١٢). والعاصفة : الشديدة الهبوب. فإن قيل : قد قال (١٣) في موضع آخر «تجري بأمره رخاء» (١٤) والرخاء : اللين قيل : كانت الريح تحت أمره ، إن أراد أن تشتد اشتدت ، وإن أراد أن تلين لانت (١٥).
فإن قيل : قال في داود : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ) ، وقال في حق سليمان (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ)(١٦) فذكر في حق داود بكلمة مع وفي حق سليمان باللام وراعى (١٧)
__________________
(١) انظر البغوي ٥ / ٥٠٦.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٠.
(٣) في ب : الرسول عليه الصلاة والسلام.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٣٣٢.
(٥) المرجعان السابقان.
(٦) المختصر (٩٢) البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.
(٧) عند قوله تعالى :«وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» [البقرة : ١٦٤].
(٨) عند قوله تعالى :«وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ» [سبأ : ١٢].
(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٢٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٢.
(١٠) في ب : فهو.
(١١) اللسان (عصف).
(١٢) قال ابن الأنباري : (والريح على وجهين : الريح من الرياح مؤنثة. والريح : الأرج والنشر وهما حركتا الريح مذكر) المذكر والمؤنث ١ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦.
(١٣) في الأصل : فإن قال قد قيل.
(١٤) من قوله تعالى : «فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ» [ص : ٣٦].
(١٥) انظر البغوي ٥ / ٥٦٠٥ ، الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠١.
(١٦) في النسختين : وسخرنا لسليمان الريح.
(١٧) في الأصل : راعى.