قوله «الشّياطين» (١) فلما ترشح جانب المعنى روعي ، ونظيره قوله :
٣٧٣١ ـ وإنّ من النّسوان من هي روضة |
|
تهيج الرياض (٢) قبلها وتصوح (٣) |
راعى التأنيث لتقدم قوله : وإنّ من النسوان. و (دُونَ ذلِكَ) صفة ل «عملا» (٤).
فصل
يحتمل أن يكون (٥) من يغوصون منهم هو الذي يعمل سائر الأعمال ، ويحتمل أنهم فرقة أخرى ، ويكون الكل داخلين في لفظة «من» والأول أقرب. وظاهر الآية أنه (٦) سخرهم لكنه قد روي أنه تعالى سخر كفارهم دون المؤمنين وهو الأقرب من وجهين :
أحدهما : إطلاق لفظ الشياطين.
والثاني : قوله : (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) فإنّ المؤمن إذا سخر في أمر لا يجب أن يحفظ لئلا يفسد ، وإنما يجب ذلك في الكافر (٧). ومعنى «يغرصون» أي : يدخلون تحت الماء ، فيخرجون له من قعر البحر الجواهر (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) أي : دون الغوص ، وهو ما ذكره تعالى في قوله : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ)(٨)(٩) الآية. (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) حتى لا يخرجوا من أمره (١٠).
وقيل : وكل بهم جمعا من الملائكة وجمعا من المؤمنين الجن. وقال ابن عباس :
__________________
ـ مراعاة المعنى ، والأحسن البداءة بالحمل على اللفظ نحو قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَاليوم الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٨]. ويجوز البداءة بالمعنى كقولك : من قامت وقعد ، وشرط قوم لجوازه وقوع الفصل بين الجملتين نحو من يقومون في غير شيء وينظر في أمرنا قومك وعزي للكوفيين. وإذا اعتبر اللفظ ثم المعنى جاز العودة إلى اعتبار اللفظ بقلة قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً) [لقمان : ٦ ، ٧].
انظر شرح التصريح ١ / ١٤٠ ، الهمع ١ / ٨٧.
(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٣.
(٢) في ب : الرياح.
(٣) البيت من بحر الطويل لم أهتد إلى قائله ، وهو في البحر المحيط ٦ / ٣٣٣ ، شرح التصريح ١ / ١٤٠ ، حاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ١٥٣.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٢٤.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٢.
(٦) في ب : أن. وهو تحريف.
(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٢.
(٨) من قوله تعالى : «يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» [سبأ : ١٣].
(٩) انظر البغوي ٥ / ٥٠٨ ـ ٥٠٩.
(١٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٢.