وقوله : بأنه يفضي إلى التلبيس ، قلنا : التلبيس غير لازم ، لأن النبي إذا جعل ذلك معجزة لنفسه فاللمدعوّ أن يقول : لم لا يجوز أن يقال : إن قوة أجسامهم (١) كانت معجزة لنبي آخر. ومع قيام هذا الاحتمال لا يتمكن المتنبي من الاستدلال به. واعلم أن أجسام هذا العالم إما كثيفة أو لطيفة. أما الكثيف (٢) فأكثف الأجسام الحجارة والحديد ، وقد جعلهما الله تعالى معجزة لداود ـ عليهالسلام (٣) ـ قوة النار مع كون الإصبع في نهاية اللطافة ، فأي بعد أن يجعل التراب اليابس جسما حيوانيا. وألطف الأشياء في هذا العالم الهواء والنار ، وقد جعلها الله ـ تعالى ـ معجزة لسليمان ـ عليهالسلام (٤) ، أما الهواء فقوله : (فَسَخَّرْنا (٥) لَهُ الرِّيحَ)(٦). وأما النار فلأنّ الشياطين مخلوقون (٧) من النار ، وقد سخرهم الله ـ تعالى ـ له ، ثم كان يأمرهم بالغوص في المياه ، والنار تطفأ بالماء ، ولم تكن تضرهم وذلك يدل على قدرته على إظهار الضد من الضد.
قوله تعالى : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ)(٨٤)
قوله تعالى : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) الآية.
قوله : «وأيّوب» كقوله : «ونوحا» (٨) وما بعده (٩). وقرأ العامة «أنّي» بالفتح لتسلط النداء عليها بإضمار حرف الجر بأني (١٠). وعيسى بن عمر بالكسر (١١) فمذهب (١٢) البصريين إضمار القول أي: نادى فقال : إني (١٣) ومذهب الكوفيين أجرى النداء مجرى القول (١٤).
والضّرّ بالضم المرض في البدن وبالفتح الضرر في كل شيء فهو أعم من الأول (١٥).
فصل
قال وهب بن منبه (١٦) : كان أيوب ـ عليهالسلام (١٧) ـ رجلا من الروم ، وهو
__________________
(١) في ب : أجسادهم.
(٢) في ب : الكثيفة.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) في النسختين : وسخرنا. وهو تحريف.
(٥) في النسختين : وسخرنا. وهو تحريف.
(٦) من قوله تعالى : «فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ» [ص : ٣٦].
(٧) في الأصل : مخلوقين.
(٨) [الأنبياء : ٧٦].
(٩) وهو قوله :«وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ» [الأنبياء : ٧٨] من أوجه الإعراب الجائزة.
(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٤.
(١١) المختصر (٩٢) ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٤.
(١٢) في ب : فذهب. وهو تحريف.
(١٣) في ب : وإني. وهو تحريف.
(١٤) انظر الكشاف ٣ / ١٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٤.
(١٥) انظر الكشاف ٣ / ١٨ ، اللسان (ضرر) ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٤.
(١٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٨.
(١٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.