والمعنى : أنّ ثبوت الولد له محال ، فقوله : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) كقولنا : ما كان لله أن يكون له ثان وشريك ، أي : لا يصحّ ذلك ، ولا ينبغي ، بل يستحيل ؛ فلا يكون نفيا على الحقيقة ، وإن كان بصورة النّفي.
وقيل : اللّام منقولة ، أي : ما كان ليتّخذ من ولد ، والمراد : ما كان الله أن يقول لأحد : إنّه ولدي ؛ لأنّ مثل [هذا] الخبر كذب ، والكذب لا يليق بحكمة الله تعالى وكماله ، فقوله : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) كقولنا : ما كان لله أن يظلم ، أي : لا يليق بحكمته ، وكمال إلهيّته.
قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً) إذا أراد أن يحدث أمرا ، (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، وهذا كالحجّة على تنزيهه عن الولد ، وبيانه : أن الّذي يجعل لله ولدا ، إما أن يكون الولد قديما أزليّا ، أو محدثا ، فإن كان أزليّا ، فهو محال ؛ لأنّه [لو كان واجبا لذاته ، لكان واجب الوجود أكثر من واحد ،](١) ولو كان [ممكنا](٢) لذاته ، لافتقر في وجوده إلى الواجب لذاته ؛ لأنّ الواجب لذاته غنيّ لذاته ، فلو كان مفتقرا في وجوده إلى الواجب لذاته ، كان ممكنا لذاته ، والممكن لذاته محتاج لذاته ، فيكون عبدا له ؛ لأنّه لا معنى للعبوديّة إلّا ذلك.
وإن كان الولد محدثا ، فيكون وجوده بعد عدمه بخلق ذلك القديم ، وإيجاده ، وهو المراد من قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
فيكون عبدا ، لا ولدا ؛ فثبت أنه يستحيل أن يكون لله ولد.
فصل في قدم كلام الله تعالى
دلّت هذه الآية على قدم كلام الله تعالى ؛ لأنّه إذا أراد إحداث شيء ، قال له : (كُنْ فَيَكُونُ) فلو كان بقوله : «كن» محدثا ، لافتقر حدوثه إلى قول آخر ، ولزم التّسلسل ؛ وهو محال ؛ فثبت أنّ قول الله تعالى ، قديم ، لا محدث.
واحتج المعتزلة بالآية على حدوث كلام الله تعالى من وجوه :
أحدها : أنه تعالى أدخل كلمة «إذا» وهي دالّة على الاستقبال ؛ فوجب ألّا يحصل ذلك القول إلّا في الاستقبال.
ثانيها : أنّ «الفاء» للتعقيب ، و«الفاء» في قوله : (فَإِنَّما يَقُولُ) يدلّ على تأخير ذلك القول عن ذلك القضاء والمتأخّر عن غيره محدث.
وثالثها : «الفاء» في قوله «فيكون» يدلّ على حصول ذلك الشيء عقيب ذلك القول من غير فصل ؛ فيكون قول الله تعالى متقدّما على حدوث الحادث تقديما بلا فصل ،
__________________
(١) في أ : يكون ولا حياء ذاته ، ولو كان واجبا لذاته.
(٢) في ب : واجبا.